فصل
؛ فله حالان : وقع في البئر واحد خلف واحد فهلكوا ، أو هلك بعضهم
الأولى : أن يقع الثاني بغير جذب الأول ؛ فإن مات الأول ، فالثاني ضامن ؛ فإن تعمد إلقاء نفسه عليه ، ومثله يقتل مثله غالبا لضخامته وعمق البئر وضيقها لزمه القصاص . وإن تعمده لكنه لا يقتل غالبا ؛ فهو شبه عمد . وإن لم يتعمد ووقع في البئر بغير اختياره ، أو لم يعلم وقوع الأول ؛ فهو خطأ محض .
ثم أطلق مطلقون أنه إذا آل الأمر إلى المال ؛ وجبت دية كاملة ، وقال آخرون : إنما على الثاني نصف الدية ، لأن الأول مات بوقوعه في البئر وبوقوع الثاني عليه ، ويكون النصف الآخر على الحافر ؛ إن كان الحفر عدوانا ؛ وإلا فمهدر . وهذا أصح عند المتولي وغيره .
لكن لو نزل الأول إلى البئر ولم ينصدم ؛ فوقع عليه الثاني ؛ تعلق بوقوعه كل الدية . أما إذا مات الثاني ؛ فإن تعمد إلقاء النفس فيها ، أو لم يكن الحفر عدوانا ؛ فهو هدر ؛ وإلا تعلق الضمان بعاقلة الحافر . وإن ماتا معا ؛ فالحكم في حق كل واحد ما ذكرنا .
ولو تردى في البئر ثلاثة ؛ واحد بعد واحد فوجهان : أحدهما : تجب دية الأول على عاقلة الثاني والثالث ؛ قاله الشيخ أبو حامد . والثاني : يجب على عاقلتهما ثلثا الدية ، والثلث الباقي على عاقلة الحافر إن كان متعديا ؛ وإلا فهو هدر . قاله القاضي أبو الطيب واختاره ابن الصباغ .
الحالة الثانية : أن يقع الثاني في البئر بجذب الأول ، فإذا ؛ فالثاني هلك بجذب الأول ؛ فكأنه أخذه وألقاه في البئر إلا أنه قصد [ ص: 329 ] الاستمساك والتحرز عن الوقوع ؛ فكان مخطئا ؛ فيجب ضمان الثاني على عاقلة الأول . وأما الأول ؛ فإن كان الحفر عدوانا فوجهان : تزلق على طرف بئر ، فجذب غيره ووقع في البئر ، ووقع الثاني فوقه فماتا
أحدهما يحكى عن الخضري : أنه مهدر ، وأصحهما : تجب نصف ديته على عاقلة الحافر ويهدر النصف ، لأنه مات بسببين : صدمة البئر وثقل الثاني منسوب إليه ؛ وإن لم يكن الحفر عدوانا ؛ فالأول مهدر بلا خلاف ، وليحمل على هذه الحالة إطلاق من أطلق إهدار الأول ؛ وقد أطلقه كثيرون .
ولو كانت الصورة كما ذكرنا ، وجذب الثاني ثالثا ، وماتوا جميعا فأما الأول ففيه وجهان ؛ أحدهما : تهدر نصف ديته لجذبه الثاني ، ويجب نصفها على عاقلة الثاني لجذبه الثالث .
وهذا تفريع على أنه لا أثر للحفر مع الجذب ؛ وأصحهما : أنه مات بثلاثة أسباب : صدمة البئر وثقل الثاني والثالث ؛ فهدر ثلث الدية لجذبه الثاني ، ثم ينظر إن كان الحفر عدوانا ، وجب ثلثها على عاقلة الحافر ، وثلثها على عاقلة الثاني بجذبه الثالث .
وإن لم يكن الحفر عدوانا ، أهدر ثلث آخر ووجب ثلث على عاقلة الثاني ، وقال ابن الحداد : مات بالوقوع في البئر وبجذبة الثاني ؛ فيهدر نصف دية ، ويجب نصفها على عاقلة الحافر ، وأعرض عن تأثره بثقل الثالث ؛ وهذا ضعيف عند الأصحاب . وأما الثاني فمات بجذب الأول ، وبثقل الثالث ؛ وثقل الثالث حصل بفعله ؛ فيهدر نصف ويجب نصف على عاقلة الأول . وأما الثالث فتجب جميع ديته على الثاني على الأصح ، وقيل : على الأول والثاني ؛ والمراد عاقلتهما . ولو كانت الصورة بحالها وجذب الثالث رابعا وماتوا ؛ وجب جميع دية الرابع بلا خلاف . وهل تتعلق بالثالث وحده أم بالثلاثة ؟ وجهان ؛ أصحهما : الأول .
وأما ديات الثلاثة ففيها أوجه ؛ أصحها : أن الأول مات بأربعة أسباب : صدمة البئر ، وثقل الثلاثة ؛ فيهدر ربع ديته لجذبه الثاني ، [ ص: 330 ] ويجب الربع على عاقلة الحافر إن كان الحفر عدوانا . وإن لم يكن عدوانا أهدر أيضا . ويجب ربع على عاقلة الثاني ، وربع على عاقلة الثالث . وأما الثاني ؛ فلا أثر للحفر في حقه وقد مات بجذب الأول ، وثقل الثالث والرابع ؛ فيهدر ثلث ديته ، ويجب ثلثها على عاقلة الأول وثلثها على عاقلة الثالث . وأما الثالث فمات بجذب الثاني وثقل الرابع ؛ فيهدر نصف ديته ، ويجب نصفها على عاقلة الثاني .
والوجه الثاني لا يجب للأول شيء ؛ لأنه باشر قتل نفسه بجذب الثاني وما تولد منه ، وأما الثاني فيهدر نصف ديته ويجب نصفها على عاقلة الأول ، وأما الثالث فيهدر نصف ديته ويجب نصفها على عاقلة الثاني ؛ ومقتضى هذا الوجه أن لا يجب للأول في صورة الثلاثة شيء أصلا وإن لم يذكروه هناك .
والوجه الثالث أنه تجعل دية الثلاثة أثلاثا ؛ فيهدر ثلث دية كل واحد ، ويجب الثلثان من دية الأول على عاقلتي الثاني والثالث ، والثلثان من دية الثاني على عاقلتي الأول والثالث ، والثلثان من دية الثالث على عاقلتي الأول والثاني .
والوجه الرابع حكاه المتولي : يجب للأول ربع الدية إن كان الحافر متعديا ، وللثاني الثلث ، وللثالث النصف للقصة المروية من قضاء علي رضي الله عنه بهذا وإمضاء النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ؛ لكنه حديث ضعيف وجميع ما ذكرناه إذا وقع الثلاثة أو الأربعة بعضهم فوق بعض ؛ أما إذا كانت البئر واسعة وجذب بعضهم بعضا لكن وقع كل واحد في ناحية ؛ فدية كل مجذوب على عاقلة جاذبه ودية الأول على عاقلة الحافر إن كان متعديا . ومن وجبت في هذه الصور دية بعضهم أو بعضها على عاقلته ؛ لزمه الكفارة في ماله . ويقع النظر في أنها هل تتجزأ ؟ ومن أهدر دمه أو شيء منه لفعله ؛ ففي وجوب الكفارة عليه الخلاف في أن قاتل نفسه هل عليه كفارة ؟