[ ص: 380 ] كتاب صلاة المسافر
صلاة المسافر كغيره ، إلا أن له ، فالقصر جائز بالإجماع . والسبب المجوز له السفر الطويل المباح . فأما السفر القصير ، فلا بد فيه من ربط القصد بمقصد معلوم ، فلا رخصة لهائم لا يدري أين يتوجه ، وإن طال سفره . ولنا وجه : أن الترخص بالقصر والجمع له القصر ، وهو شاذ منكر . الهائم إذا بلغ مسافة القصر
أما ابتداء السفر ، فيعرف بتفصيل الموضع الذي منه الارتحال . فإن ، فلا بد من مجاوزته وإن كان داخل السور مزارع ، أو مواضع خربة ، لأن جميع داخل السور معدود من نفس البلد ، محسوب من موضع الإقامة ، فإذا فارق السور ترخص إن لم يكن خارجه دور متلاصقة أو مقابر ، فإن كانت فوجهان . الأصح : أنه يترخص بمفارقة السور ، ولا يشترط مفارقة الدور والمقابر ، وبهذا قطع ارتحل من بلدة لها سور مختص بها وكثيرون . والثاني : يشترط مفارقتها ، وهو موافق لظاهر نص الغزالي . وأما إذا الشافعي ، أو كان في غير صوب مقصده ، فابتداء سفره بمفارقة العمران حتى لا يبقى بيت متصل ولا منفصل . والخراب الذي يتخلل العمارات معدود من البلد ، كالنهر الحائل بين جانبي البلد ، فلا يترخص بالعبور من جانب إلى جانب . فإن كانت أطراف البلدة خربة ، ولا عمارة وراءها ، فقال العراقيون ، والشيخ لم يكن للبلد سور أبو محمد : لا بد من [ ص: 381 ] مجاوزتها . وقال وصاحب ( التهذيب ) : لا يشترط مجاوزتها ، لأنه ليس موضع إقامة . وهذا الخلاف فيما إذا كانت بقايا الحيطان قائمة ، ولم يتخذوا الخراب مزارع العمران ، ولا هجروه بالتحويط على العامر والخراب ، فإن لم يكن كذلك ، لم يشترط مجاوزتها بلا خلاف . ولا يشترط مجاوزة البساتين والمزارع المتصلة بالبلد ، وإن كانت محوطة ، إلا إذا كان فيها قصور أو دور يسكنها ملاكها بعض فصول السنة ، فلا بد من مجاوزتها حينئذ . ولنا وجه في ( التتمة ) : أنه يشترط مجاوزة البساتين والمزارع المضافة إلى البلدة مطلقا ، وهو شاذ ضعيف . هذا حكم البلدة . وأما القرية فلها حكم البلدة في جميع ما ذكرناه . ولا يشترط فيها مجاوزة البساتين ولا المزارع المحوطة ، هذا هو الصواب الذي قاله العراقيون . وشذ الغزالي عن الأصحاب فقال : إن كانت المزارع ، أو البساتين محوطة ، اشترط مجاوزتها . وقال إمام الحرمين : لا يشترط مجاوزة المزارع المحوطة ، ولا البساتين غير المحوطة ، ويشترط مجاوزة البساتين المحوطة . ولو كان قريتان ليس بينهما انفصال فهما كمحلتين فيجب مجاوزتهما جميعا . قال الإمام : وفيه احتمال ، فلو كان بينهما انفصال فجاوز قريته ، كفى وإن كانتا في غاية التقارب على الصحيح . وقال الغزالي ابن سريج : إذا تقاربتا اشترط مفارقتهما . ولو جمع سور قرى متفاصلة لم يشترط مجاوزة السور . وكذا لو قدر ذلك في بلدتين متقاربتين . ولهذا قلنا أولا : إن ارتحل من بلدة لها سور مختص بها . وأما ، فلا بد له من مفارقة البقعة التي فيها رحله وينسب إليه . فإن سكن واديا وسافر في عرضه فلا بد من مجاوزة عرض الوادي ، نص عليه المقيم في الصحارى - رحمه الله . قال الأصحاب : وهذا على الغالب في اتساع الوادي . فإن أفرطت السعة لم يشترط إلا مجاوزة القدر الذي يعد موضع نزوله ، أو موضع الحلة التي هو فيها . كما لو سافر في طول الوادي . وقال الشافعي : كلام القاضي أبو الطيب مجرى على إطلاقه ، وجانبا الوادي كسور البلد . ولو كان نازلا في ربوة فلا بد أن يهبط ، وإن [ ص: 382 ] كان في وهدة فلا بد أن يصعد ، وهذا عند الاعتدال كما ذكرنا في الوادي . ولا فرق في اعتبار مجاوزة عرض الوادي والصعود والهبوط بين المنفرد في خيمة ومن في أهل خيام على التفصيل المذكور . أما إذا كان في أهل خيام كالأعراب والأكراد ، فإنما يترخص إذا فارق الخيام ، مجتمعة كانت أو متفرقة إذا كانت حلة واحدة وهي بمنزلة أبنية البلد . ولا يشترط مفارقته لحلة أخرى ، بل الحلتان كالقريتين . وضبط الشافعي الصيدلاني التفرق الذي لا يؤثر ، بأن يكونوا بحيث يجتمعون للسمر في ناد واحد ، ويستعين بعضهم من بعض . فإن كانوا بهذه الحالة فهي حلة واحدة . ويعتبر مع مجاوزة الخيام مرافقها ، كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الإبل ، فإنها من جملة مواضع إقامتهم . ولنا وجه شاذ : أنه لا يعتبر مفارقة الخيام ، بل يكفي مفارقة خيمته .
فرع
إذا ، فله أحوال . أحدها : أن لا يكون له بتلك البلدة إقامة أصلا ، فلا يصير مقيما بالرجوع ولا بالحصول فيها . فارق المسافر بنيان البلدة ، ثم رجع إليها لحاجة
الثاني : أن تكون وطنه ، فليس له الترخص في رجوعه ، وإنما يترخص إذا فارقها ثانيا . ولنا وجه : أنه يترخص ذاهبا ، وهو شاذ منكر .
الثالث : أن لا تكون وطنه ، لكنه أقام بها مدة ، فهل له الترخص في رجوعه ؟ وجهان . أصحهما : نعم ، صححه إمام الحرمين ، ، وقطع به في ( التتمة ) . والثاني : لا ، وقطع به في ( التهذيب ) وحيث حكمنا بأنه لا يترخص إذا عاد ، فلو نوى العود ولم يعد بعد لم يترخص وصار بالنية مقيما ، ولا فرق [ ص: 383 ] بين حالتي الرجوع والحصول في البلدة في الترخص وعدمه . هذا كله إذا لم يكن من موضع الرجوع إلى الوطن مسافة القصر . فإن كانت فهو مسافر مستأنف فيترخص . والغزالي