باب .
. تغير حال المجروح بين الجرح والموت
للتغير أحوال :
أحدها : أن يطرأ المضمن وفيه مسائل : إحداها : إذا جرح مرتدا أو حربيا بقطع يد أو غيره ، ثم أسلم ، أو عقدت للحربي ذمة ، ثم مات من تلك الجراحة ، فلا قصاص قطعا ، ولا دية على الصحيح المنصوص .
وقيل : لا دية قطعا ، لأنه قطع غير مضمون ، فلم تضمن سرايته ، كسراية القصاص والسرقة .
الثانية : جرح حربي مسلما ، ثم أسلم ، أو عقدت له ذمة ، ثم مات المجروح ، قطع البغوي بأنه لا ضمان ، ونقل بعضهم لزوم الضمان ، لأنه مضمون في الحالين .
قلت : الصحيح : لا ضمان . والله أعلم .
الثالثة : ، فلا ضمان على السيد على المذهب والمنصوص . جرح عبد نفسه ، ثم أعتقه ، فمات بالسراية
وقيل : قولان ، ثانيهما : وجوب الدية .
الرابعة : ، فلا [ ص: 168 ] قصاص لعدم الكفاءة في أول أجزاء الجناية ، وتجب الدية على المذهب وهو المنصوص ، وقيل : لا تجب ، وقيل : تجب في المرتد دون الحربي ، لأن المرتد لا يجوز لغير الإمام قتله ، ولأن المرتد يقتل بالسيف ولا يرشق بالنشاب ، فرشقه ممنوع . رمى مرتدا أو حربيا ، فأسلم ، ثم أصابه السهم
ويجري الخلاف فيما إذا رمى إلى قاتل أبيه ، ثم عفا عنه قبل الإصابة ، وهو أولى بالوجوب من المرتد ، وفيما إذا رمى إلى عبد نفسه ، ثم أعتقه قبل الإصابة ، وهو أولى بالوجوب ، لأن العبد معصوم مضمون بالكفارة .
الخامسة : حفر بئرا في محل عدوان ، فتردى فيها مسلم كان مرتدا وقت الحفر ، أو حر كان عبدا ، وجبت الدية بلا خلاف ، لأن الحفر ليس سببا ظاهرا للإهلاك ، ولا يتوجه نحو معين فلا يؤثر وجوده في زمن الإهدار بخلاف الرمي .
فرع .
لو تغير حال الرامي ، بأن رمى حربي إلى مسلم ، ثم أسلم قبل الإصابة ، ففي وجوب الضمان وجهان .
فرع .
إذا قلنا بوجوب الضمان فيما إذا جرح حربيا ، فأسلم ثم مات ، وفيما إذا جرح عبد نفسه ، ثم أعتقه فمات ، فالواجب دية حر مسلم ، وكذلك في مثلهما من صور الرمي .
ثم الذي رأى الإمام القطع به وتابعه عليه أن الدية في طريان الإسلام والعتق بعد الجرح تكون مخففة ، وعلى العاقلة ، كما لو رمى إلى صيد ، فأصاب آدميا ، وأما في طريانهما بعد الرمي ، ففي الدية الواجبة خلاف مذكور في الديات . الغزالي
الحال الثاني : أن يطرأ المهدر ، فإذا جرح مسلما ، ثم ارتد ، ثم مات بالسراية ، أو ذميا ، فنقض العهد ، ثم مات ، فلا يجب قصاص النفس ، ولا ديتها ، ولا الكفارة ، لأنها تلفت وهي مهدرة ، وأما ما يتعلق بالجراحة ، ففيه صورتان ، إحداهما : أن تكون الجراحة مما يوجب القصاص ، [ ص: 169 ] كالموضحة وقطع اليد ، ففي وجوب القصاص في الموضحة والطرف ، قولان ، أظهرهما : الوجوب .
فعلى هذا قال رحمه الله في " المختصر " : لوليه المسلم أن يقتص ، فقيل : أراد بالولي ، السلطان ، لأنه وارث للمرتد ، وقال الجمهور : يستوفيه قريبه الذي كان يرثه لولا الردة ، لأن القصاص للتشفي ، وذلك يتعلق بالقريب دون السلطان فعلى هذا لو كان القريب صغيرا أو مجنونا انتظر بلوغه وإفاقته ليستوفي . الشافعي
الصورة الثانية : أن تكون الجراحة موجبة للمال دون القصاص ، كالجائفة والهاشمة ، أو من جنس ما يوجب القصاص ، وقلنا : لا قصاص ، أو عفي عنه ، فهل يجب المال ؟ وجهان ، ويقال : قولان ، أصحهما : الوجوب .
فعلى هذا فيما يجب وجهان ، أصحهما ويحكى عن النص : أنه يجب أقل الأمرين من الأرش الذي تقتضيه الجراحة ودية النفس ، والثاني ، وبه قال الإصطخري : يجب أرش الجراحات بالغا ما بلغ ، فيجب فيما إذا قطع يديه ورجليه ديتان ، وعلى كل حال فالواجب فيء لا يأخذ القريب منه شيئا .
هذا إذا طرأت الردة بعد الجرح ، فلو طرأت بعد الرمي وقبل الإصابة ، فلا ضمان باتفاقهم .
فرع .
، فله قصاص اليد ، فإن مات قبل أن يقتص ، اقتص وليه ، ومن الولي ؟ فيه الخلاف السابق . قطع يده ، ثم ارتد المقطوع ، واندمل جرحه
فإن كانت الجناية توجب المال ، قال البغوي : إن قلنا : ملكه باق ، أخذه ، وإن قلنا : زائل ، وقف ، فإن عاد إلى الإسلام ، أخذه ، وإلا ، أخذه الإمام .
الحال الثالث : أن يتخلل المهدر بين الجرح والموت ، فإذا جرح مسلم مسلما ، ثم ارتد المجروح ، ثم أسلم ومات بالسراية ، وجبت الكفارة قطعا ، وأما القصاص ، فنص أنه لا يجب ، ونص فيما إذا جرح ذمي ذميا ، [ ص: 170 ] أو مستأمنا فنقض العهد ، والتحق بدار الحرب ، ثم جدد العهد ، ومات بالسراية ، أن في وجوب القصاص قولين ، وللأصحاب طريقان ، أصحهما في المسألتين ، قولان .
أحدهما : وجوب القصاص ، لأنه مضمون بالقصاص في حالتي الجرح والموت ، والثاني : لا ، لتخلل حالة الإهدار ، والطريق الثاني : تنزيل النصين على حالين ، فحيث قال : لا قصاص ، أراد إذا طالت مدة الإهدار ، بحيث يظهر أثر السراية ، وحيث قال : يجب ، فذلك إذا قصرت المدة بحيث لا يظهر للسراية أثر ، وإذا قلنا بطريقة القولين ، ففي موضعهما طريقان .
أحدهما : تخصيصهما بما إذا قصرت المدة ، فإن طالت ، لم يجب القصاص قطعا ، والثاني : طردهما في الحالين قاله ابن سريج وابن سلمة وابن الوكيل .
والأصح عند الجمهور : تخصيص القولين بقصر المدة ، والأظهر منها عند الجمهور ، أنه لا قصاص ، وأما الدية ، ففيها أقوال ، أظهرها عند الجمهور : يجب كمال الدية ، والثاني : نصفها ، والثالث : ثلثاها ، والرابع : أقل الأمرين من كل الدية وأرش الجراحة ، وهذان الأخيران مخرجان .
ثم قال الجمهور : تختص الأقوال بما إذا طالت مدة الإهدار ، فإن قصرت ، وجب كل الدية قطعا ، وقيل بطردها في الحالين ، قال الإمام : وإذا أوجبنا القصاص ، فآل الأمر إلى المال ، ففيه هذا الخلاف .
وقال البغوي : إذا أوجبنا القصاص ، فعفي ، وجب كمال الدية بلا خلاف ، وإنما الخلاف إذا لم نوجب قصاصا ، وهذا أرجح .
فرع .
، فلا قصاص على المذهب ، وبه قطع الجمهور . رمى إلى مسلم فارتد وعاد إلى الإسلام ، ثم أصابه السهم
قال الإمام : ويجيء فيه قول .
الحال الرابع : أن يطرأ ما يغير قدر الدية ، فيجب ما يقتضيه يوم الموت ، لأن الضمان بدل التالف ، فيعتبر وقت التلف ، وقد يكون التغير [ ص: 171 ] من الأكثر إلى الأقل ، وقد ينعكس .
مثال الأول : جنى على نصراني ، فتمجس ثم مات ، فإن قلنا : يقر النصراني إذا تمجس على التمجس ، فعلى الجاني دية مجوسي ، وإن قلنا : لا يقر ، فهو كما لو ارتد المجروح ومات .
فعلى الأصح : يجب الأقل من أرش الجناية على نصراني ودية نفسه ، وعلى قول الإصطخري : يجب الأرش بالغا ما بلغ ، ولو جرح نصرانيا ، فنقض المجروح العهد ، والتحق بالحرب ، ثم سبي واسترق ، ومات بالسراية ، فلا قصاص في النفس .
ويجب قصاص الطرف إن كانت الجناية بقطع طرف ، وإن أراد المستحق المال ، ففيما يجب ، قولان .
أحدهما : أقل الأمرين من أرش جنايته حرا ، وكمال قيمته عبدا ، وعلى هذا هو لورثته النصارى ، سواء كانوا عندنا أم في دار الحرب ، كذا حكاه ابن كج ، وفي قول غريب ، يكون لبيت المال . والروياني
قلت : قد جزم البغوي على هذا القول بأنه لسيده ، لأنه بدل روحه وكانت ملكه . والله أعلم .
وأظهرهما : أن الواجب قيمته بالغة ما بلغت ، وعلى هذا إن كانت القيمة أقل ، فالواجب للوارث ، وإن كان القيمة أكثر ، فقدر الأرش للوارث ، والباقي للسيد ، ولو أن الذي ملكه أعتقه ، فمات حرا فقولان في أن الواجب أقل الأمرين من الأرش ودية حر ذمي .
وعلى القولين فالواجب لورثته ، ولو أسلم وعتق ومات ، ففي القصاص قولان ، وفي المال الواجب قولان .
هل هو دية حر مسلم ، أم أقل الأمرين من الأرش ودية حر مسلم ؟ وعلى القولين ، فهو لورثته المسلمين .
مثال العكس : جرح ذميا ، فأسلم ، أو عبدا لغيره ، فعتق ، ثم مات ، نظر ، إن مات بعد الاندمال ، وجب أرش الجناية ، ويكون الواجب في العبد لسيده ، فلو قطع يديه ، أو فقأ عينيه ، لزمه كمال قيمته ، سواء كان العتق قبل الاندمال أم بعده .
وقيل : إن كان الاندمال [ ص: 172 ] بعد العتق ، فعليه دية حر ، والصحيح الأول ، وإن مات بالسراية ، لم يجب قصاص النفس إذا كان جارح الذمي مسلما ، وجارح العبد حرا ، وتجب فيه دية حر مسلم ، لأنه كان مضمونا أولا ، وهو في الانتهاء حر مسلم ، ولا فرق بين أن تكون القيمة أقل من الدية ، أو أكثر ، حتى لو فقأ عيني عبد قيمته تساوي مائتين من الإبل ، أو قطع يديه ، لم يجب إلا مائة .
ثم إن كانت الدية مثل القيمة أو أقل ، فالجميع للسيد ، وإن كانت أكثر ، فالزيادة على القيمة للورثة ، لأنها وجبت بالحرية ، وقال المزني : إذا كانت القيمة أكثر ، وجبت بكمالها للسيد ، ولو قطع إحدى يدي عبد ، فعتق ومات بالسراية ، أوجبنا كمال الدية ، وفيما للسيد منها قولان .
أحدهما : أقل الأمرين من كل الدية ، وكل القيمة ، وأظهرهما : أقل الأمرين من كل الدية ، ونصف القيمة ، وهو أرش الطرف المقطوع في ملكه .