فصل
إذا ، نظر إن ظن المأمور أنه يقتله بحق ، فلا شيء على المأمور ، لأن الظاهر أنه لا يأمر إلا بحق ، ولأن طاعة السلطان واجبة فيما لا يعلم أنه معصية . أمره السلطان بقتل رجل ظلما ، فقتله المأمور
واستحب رحمه الله أن يكفر لمباشرته القتل ، وأما الآمر ، فعليه القصاص ، أو الدية والكفارة ، وإن علم المأمور أنه يقتله ظلما ، فهل ينزل أمره منزلة الإكراه ؟ وجهان ويقال : قولان . الشافعي
أحدهما : لا ، وإنما الإكراه بالتهديد صريحا كما في غير السلطان ، فعلى هذا لا شيء على الآمر سوى الإثم ، ويلزم المأمور القصاص ، أو الدية والكفارة .
والثاني : ينزل منزلة الإكراه لعلتين ، إحداهما : أن الغالب من حالة السطوة عند المخالفة ، والثاني : أن طاعته واجبة في الجملة ، فينتهض ذلك شبهة .
فإذا نزلناه منزلة الإكراه ، فعلى الآمر القصاص ، وفي المأمور ، القولان في المكره ، ولو أمره صاحب الشوكة من البغاة ، كان كأمر إمام العدل ، لأن أحكامه نافذة .
ولو ، كالزعيم والمتغلب ، فقيل : نظر ، إن لم يخف من مخالفته المحذور ، فعلى المأمور القصاص أو الدية والكفارة ، وليس على الآمر إلا الإثم ، ولا [ ص: 140 ] فرق بين أن يعتقده حقا ، أو يعرف كونه ظلما ، لأنه ليس بواجب الطاعة ، وإن كان يخاف من مخالفته المحذور ، بأن اعتيد منه ذلك ، ففيه الخلاف المذكور في الإمام أن المعلوم هل يجعل كالملفوظ به . أمره غير السلطان بالقتل بغير الحق
والقياس جعله كالملفوظ ، وإلى ترجيحه مال وغيره ، وفي أمر السلطان مقتضى ما ذكره الجمهور تصريحا ودلالة لا ينزل منزلة الإكراه ، فحصل من هذا أن أمر السلطان من حيث هو سلطان لا أثر له ، وإنما النظر إلى خوف المحذور . الغزالي
فرع .
لو ، فإن كان العبد مميزا لا يرى طاعة السيد واجبة في كل ما يأمره به ، فالقصاص على العبد ، ولا شيء على السيد سوى الإثم . أمر السيد عبده بقتل رجل ظلما فقتله
فإن عفا ، أو كان مراهقا ، تعلق الضمان برقبته ، وكذا لو أمره بإتلاف مال ، فأتلفه ، وإن كان صغيرا لا يميز ، أو مجنونا ضاريا ، أو أعجميا يرى طاعة السيد واجبة في كل شيء ، فهو كالآلة ، والقصاص أو الدية على السيد .
وفي تعلق المال برقبة مثل هذا العبد ، وجهان ، أحدهما : نعم ، لأنه متلف ، وأصحهما : لا ، لأنه كالآلة ، فأشبه ما لو أغرى بهيمته على إنسان فقتلته ، لا يتعلق بها ضمان .
ولو أمر عبد غيره ، فكذلك الحكم إن كان العبد بحيث لا يفرق بين أمر سيده وغيره ، ويسارع إلى ما يؤمر به ، فإن قلنا : يتعلق الضمان برقبته ، فبيع فيه ، فعلى الآمر قيمته للسيد ، وإذا لم تف قيمته بالواجب ، فعلى الآمر الباقي .
وكذا لو كان الآمر السيد ، وليس هذا التعلق كتعلق الأرش برقبة سائر العبيد ، ولو ، فعلى الآمر الضمان إن كان صغيرا أو مجنونا ، ولا يجب إن كان أعجميا ، لأنه لا يعتقد وجوب الطاعة في قتل [ ص: 141 ] نفسه بحال ، لكن لو أمره ببط جراحة أو فتح عرق على مقتل ، وجب الضمان ، لأنه لا يظنه قاتلا ، فيجوز أن يعتقد وجوب الطاعة ، هكذا حكي عن النص ، فإن كان الأجنبي الآمر عبدا ، فليكن القصاص على هذا التفصيل ، كما سيأتي نظيره إن شاء الله تعالى . أمر أجنبي هذا العبد بقتل نفسه ، ففعل
فرع .
لو ، قال أمر رجل صبيا أو مجنونا حرا بقتل شخص ، فقتله البغوي : إن كان لهما تمييز ، فلا شيء على الآمر سوى الإثم ، وتجب الدية في مال المأمور مغلظة ، إن قلنا : عمده عمد ، وإن قلنا : خطأ ، فعلى عاقلته مخففة ، وإن لم يكن لهما تمييز ، وكانا يسارعان إلى ما أغريا به ، أو كان المجنون ضاريا ، فالقصاص أو كمال الدية على الآمر ، وليا كان ، أو أجنبيا ، ولو أمر أحدهما بقتل نفسه ، ففعل ، فعلى الآمر القصاص .
ولو أن مثل هذا الصبي أو المجنون قتل ، أو أتلف مالا من غير أمر أحد ، ففي تعلق الضمان بهما الخلاف السابق في التعلق برقبة العبد ، لأنه يشبه إتلاف البهيمة العادية ، ذكره الشيخ أبو محمد .
قلت : قال أصحابنا : لو ، فعلى عاقلة الآمر الدية . والله أعلم . أمر صبيا لا يميز بصعود شجرة ، أو نزول بئر ، ففعل ، فسقط فهلك
فرع .
لو ، فهل تتعلق الدية برقبته ؟ قال الإمام : يبنى على أن المكره الحر هل تلزمه الدية ؟ إن قلنا : نعم ، فنعم ، وإلا ففي التعلق برقبته الخلاف السابق في التعليق برقبة العبد الأعجمي ، لنزوله منزلة الآلة . أكره رجل عبدا صغيرا مميزا على قتل ، فقتل
فرع .
لو ، [ ص: 142 ] فإن قلنا : أمره ليس بإكراه ، فلا ضمان ، كما لو أمره أحد الرعية ، وإن قلنا : إكراه ، فإن كان يتعلق بمصلحة المسلمين ، فالضمان على عاقلة الإمام ، أو في بيت المال ؟ فيه القولان المعروفان في نظائره ، وإن تعلق به خاصة ، فالضمان على عاقلته . أمره الإمام بصعود شجرة ، أو نزول بئر ، فامتثل ، فهلك به