[ ص: 246 ] الركن الثالث : المدة ، ، وإن قيد بزمان ، فهو قسمان . أحدهما : أن يقدر الزمان ، فإن كان أربعة أشهر فما دونها ، فليس بمؤل ، والذي جرى منه يمين أو تعليق كما يجري في سائر الأفعال ، وإن كان أكثر من أربعة أشهر ، كان مؤليا . قال الإمام : ويكفي في كونه مؤليا أن يزيد على أربعة أشهر أقل قليل ، ولا يعتبر أن تكون الزيادة بحيث تتأتى بالمطالبة في مثلها . فإن حلف على الامتناع أبدا ، أو أطلق ، فهو مؤل
فإذا كانت الزيادة لحظة لطيفة ، لم تتأت المطالبة لأنها إذا مضت تنحل اليمين ، ولا مطالبة بعد انحلال اليمين . وفائدة كونه مؤليا في هذه الصورة ، أنه يأثم لإيذائها ، وقطع طمعها في الوطء في المدة المذكورة .
ولو ، فلا يكون مؤليا قطعا . ولو وصل اليمين فقال : والله لا أجامعك أربعة أشهر ، فإذا مضت فوالله لا أجامعك أربعة أشهر ، وهكذا مرارا ، فليس بمؤل على الأصح . حلف لا يجامعها أربعة أشهر ، ثم أعاد اليمين بعد مضي تلك المدة ، وهكذا مرات
قال الإمام : وهل يأثم الموالي بين هذه الأيمان كما ذكرنا ، فيما إذا زادت اليمين على أربعة أشهر بلحظة لطيفة ، يحتمل أن لا يأثم لعدم الإيلاء ، ويحتمل أن يأثم إثم الإيذاء والإضرار ، لا إثم المؤلين .
قلت : الراجح تأثيمه . - والله أعلم .
فرع
، فلها المطالبة بعد مضي أربعة أشهر بموجب اليمين الأولى ، فإن أخرت المطالبة حتى يمضي الشهر الخامس ، فلا مطالبة بموجب تلك اليمين ، لانحلالها ، وإن طالبته في الخامس ، ففاء إليها ، خرج عن موجب الإيلاء الأول ، فإذا مضى الخامس ، [ ص: 247 ] استحقت مدة الإيلاء الثاني . وإن طلق ، سقطت عنه المطالبة في الحال ، فإن راجعها في الشهر الخامس ، لم تضرب المدة في الحال ، لأن الباقي من مدة اليمين الأولى قليل ، فإذا انقضى الخامس ، ضربت المدة للإيلاء الثاني . ولو وطئها بعد الرجعة في باقي الشهر ، انحلت اليمين وتلزمه الكفارة على المذهب ، وإن قلنا : إن قال : والله لا أجامعك خمسة أشهر ، فإذا مضت ، فوالله لا أجامعك سنة لا كفارة عليه . المؤلي إذا فاء
وإن راجعها بعد الشهر الخامس ، نظر ، إن راجع بعد سنة من مضي الخامس ، فلا إيلاء ، لانقضاء المدتين وانحلال اليمين ، وإن راجع قبل تمام السنة ، فإن بقي أربعة أشهر فأقل ، فلا إيلاء ، وإن بقي أكثر ، عاد الإيلاء ، وضربت المدة في الحال .
ولو حنث يعود لو راجعها ، خلاف عود الحنث ، وتبقى اليمين ما بقي شيء من المدة ، وإن لم يعد الإيلاء ، حتى لو راجع ، وقد بقي من السنة أقل من أربعة أشهر ، فوطئها في تلك البقية ، لزمه الكفارة ، ولو عقد اليمين على مدتين تدخل إحداهما في الأخرى بأن قال : والله لا أجامعك خمسة أشهر ، ثم قال : والله لا أجامعك سنة ، فإذا مضت أربعة أشهر ، فلها المطالبة ، فإن فاء انحلت اليمينان ، وإذا أوجبنا الكفارة ، فالواجب كفارة ، أم كفارتان ؟ فيه خلاف يجري في كل يمينين يحنث الحالف فيهما بفعل واحد ، بأن حلف لا يأكل خبزا ، وحلف لا يأكل طعام زيد ، فأكل خبزه ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، وإن طلقها ثم راجعها ، أو جدد نكاحها ، فإن بقي من السنة أربعة أشهر أو أقل ، لم يعد الإيلاء ، وتبقى اليمين . وإن بقي أكثر من أربعة أشهر ، عاد الإيلاء في الرجعية ، وفي التجديد خلاف عود الحنث ، هذا هو الصحيح المعروف في المذهب . وفي " التتمة " أن السنة تحسب بعد انقضاء الأشهر الخمسة ، فيكون كالصورة السابقة ، ولو قال : إذا مضت خمسة أشهر ، فوالله لا أجامعك ، كان مؤليا بعد مضي الخمسة . جدد نكاحها بعد البينونة ، ففي عود الإيلاء
القسم الثاني : أن يقيد لا يتعين وقته ، فينظر ، إن [ ص: 248 ] كان المعلق به مستحيلا ، كقوله : حتى تصعدي السماء ، أو تطيري ، أو كان أمرا يستبعد في الاعتقادات حصوله في أربعة أشهر ، وإن كان محتملا كقوله : حتى ينزل الامتناع عن الوطء بمستقبل عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - . أو حتى يخرج الدجال ، أو يأجوج ومأجوج ، أو تطلع الشمس من مغربها ، أو بأمر يعلم تأخره عن أربعة أشهر ، كقوله : حتى يقدم فلان ، أو أدخل مكة ، والمسافة بعيدة لا تقطع ، في أربعة أشهر ، فهو مؤل . فلو قال في مسألة القدوم : ظننت المسافة قريبة ، فهل يصدق بيمينه ؟ ذكر فيه الإمام احتمالين ، والأقرب تصديقه .
وفي شرح " مختصر الجويني " للموفق بن طاهر ، أن في التعليق بنزول عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - ، وما في معناه ، لا يقطع بكونه مؤليا في الحال ، ولكن ينتظر ، فإذا مضت أربعة أشهر ، ولم يوجد المعلق به تبينا أنه كان مؤليا ومكناها من المطالبة ، والصحيح المعروف الأول ، وإن كان المعلق به مما يتحقق وجوده قبل أربعة أشهر ، كذبول البقل وجفاف الثوب ، وتمام الشهر ، أو يظن ، كمجيء المطر في وقت غلبة الأمطار ، ومجيء زيد من القرية ، وعادته المجيء للجمعة ، أو مجيء القافلة ، وعادتها غالبا المجيء كل شهر ، فليس بإيلاء ، وإنما هو عقد يمين ، فإن كان المعلق به مما لا يستبعد حصوله في أربعة أشهر ، ولا يظن ، كقوله : حتى يدخل زيد الدار ، أو أمرض ، أو يمرض فلان ، أو يقدم وهو على مسافة قريبة ، وقد تقدم ، وقد لا يحكم بكونه مؤليا في الحال ، فإن مضت أربعة أشهر ، ولم يوجد المعلق به ، فوجهان ، أحدهما : ثبت الإيلاء ، وتطالبه ، لحصول الضرر ، وتبين طول المدة ، وأصحهما : لا ، لأنه لم يتحقق قصد المضارة أولا ، وأحكام الإيلاء منوطة به لا بمجرد الضرر بالامتناع من الوطء ، ولهذا لو امتنع بلا يمين ، لم يكن مؤليا . ولو ، وجبت الكفارة بلا خلاف ، ولو وجد المعلق به قبل الوطء ، ارتفعت اليمين بلا خلاف . وطئ قبل وجود المعلق به
[ ص: 249 ] فرع
، أو قال : عمري أو عمرك ، فهو مؤل لحصول اليأس مدة العمر . ولو قال : حتى يموت فلان ، فمؤل على الأصح عند الأكثرين . قال : لا أجامعك حتى أموت ، أو تموتي
فرع
، نقل قال : لا أجامعك حتى تفطمي ولدك المزني أن - رحمه الله - قال : يكون مؤليا ، قال : وقال في موضع آخر : لا يكون مؤليا ، واختاره ، فأوهم أن في المسألة قولين ، وبه قال الشافعي . وقال الجمهور : لا خلاف في المسألة ، ولكن ينظر إن أراد وقت الفطام ، فإن بقي أكثر من أربعة أشهر إلى تمام الحولين ، فمؤل ، وإلا فلا ، وإن أراد فعل الفطام ، فإن كان الصبي لا يحتمله إلا بعد أربعة أشهر لصغر أو ضعف بنية ، فمؤل ، وإن كان يحتمله لأربعة أشهر فما دونها ، فهو كالتعليق بدخول الدار ونحوه ، والنصان محمولان على الحالين . ابن القطان
فرع
، فإن كانت صغيرة أو آيسة ، فهو مؤل ، وإلا فكالتعليق بالقدوم من مسافة قريبة ودخول الدار . قال : لا أجامعك حتى تحبلي
فرع
إذا ، أو الصبي قبل الفطام ، فهو كقوله : حتى يشاء فلان فمات قبل المشيئة ، وقد ذكرناه . علق بالقدوم أو الفطام ، ولم يحكم بكونه مؤليا ، فمات المعلق بقدومه قبل القدوم
فرع
قال : والله لا أجامعك ، ثم قال : أردت شهرا ، دين ، ولم يقبل ظاهرا .
[ ص: 250 ] الركن الرابع : المحلوف عليه ، وهو ، ترك الجماع ، والألفاظ المستعملة في الجماع ضربان ، صريح ، وكناية ، فمن الصريح لفظ النيك ، وقوله : لا أغيب في فرجك ذكري ، أو حشفتي ، أو لا أدخل ، أو أولج ذكري في فرجك ، أو أجامعك بذكري ، وللبكر : لا أفتضك بذكري . فلو قال في شيء من هذا أردت غير الجماع ، لم يدين ، لأنه لا يحتمل غيره ، ولفظ الجماع والوطء أيضا صريحان ، لكن لو قال : أردت بالجماع الاجتماع ، وبالوطء الوطء بالقدم ، دين ، وقيل : إنهما كنايتان ، وهو شاذ مردود . فالحلف بالامتناع عن سائر الاستمتاعات ، ليس بإيلاء
ولو قال للبكر : لا أفتضك ولم يقل : بذكري ، فهو صريح ، فإن قال : لم أرد الجماع ، لم يقبل ظاهرا وهل يدين ؟ وجهان .
الأصح : نعم . قال الإمام : ولو قال : أردت به الضم والالتزام ، لم يدين على الأصح . والمباشرة ، والمضاجعة ، والملامسة ، والمس ، والإفضاء ، والمباعلة ، والافتراش ، والدخول بها ، والمضي إليها ، كنايات على الجديد ، وصرائح في القديم ، والغشيان ، والقربان ، والإتيان عند الجمهور على القولين . وقيل : كنايات قطعا .
والإصابة صريح عند الجمهور . وقيل : على القولين . وقوله : لا يجمع رأسي ورأسك وساد ، أو لا يجتمعان تحت سقف كناية قطعا . وقوله : لأبعدن عنك ، كناية ، ويشترط فيه نية الجماع والمدة جميعا ، ومثله . ولو قوله : لأسوءنك ، ولأغيظنك ، أو لتطولن غيبتي عنك ، فهو كناية في الجماع والمدة ، فهو صريح في الجماع كناية في المدة . قال : ليطولن تركي لجماعك ، أو لأسوءنك في الجماع
ولو قال : لا أغتسل عنك ، سألناه ؟ فإن قال : أردت لا أجامعها ، فمؤل ، وإن قال : أردت الامتناع من الغسل ، أو أردت أني لا أمكث حتى أنزل ، واعتقد أن الجماع بلا إنزال لا يوجب الغسل .
أو أني أقدم على وطئها وطء غيرها فيكون الغسل عن الأولى لحصول الجنابة بها ، قبلناه ، ولم يكن مؤليا . ولو ، بل هو محسن . قال : لا أجامعك في الحيض أو النفاس ، أو [ ص: 251 ] الدبر ، فليس بمؤل
ولو ، فمؤل ، ولو قال : لا أجامعك إلا في الدبر ، قال قال : لا أجامعك إلا في الحيض أو النفاس السرخسي : لا يكون مؤليا ، لأنه لو جامع فيه حصلت الفتنة . وقال البغوي في الفتاوي : هو مؤل ، وكذا لو قال : إلا في نهار رمضان ، أو إلا في المسجد .
ولو قال : لا جامعتك جماع سوء ، فليس بمؤل ، كما لو قال : لا جامعتك في هذا البيت ، أو لا جامعتك من القبل . ولو قال : لا أجامعك إلا جماع سوء ، فإن أراد : لا أجامعها إلا في الدبر ، أو فيما دون الفرج ، أو لا أغيب جميع الحشفة ، فمؤل ، وإن أراد الجماع الضعيف ، فليس بمؤل ، ولو حلف لا يجامع بعضها ، فكما سيأتي في الظهار إن شاء الله تعالى .