فصل : وإذا تقرر أن يكون على الأقاويل الثلاثة ، انتقل الكلام إلى التفريع على كل قول منها . نفوذ العتق في حصة الشريك
فإذا قيل بالأول أنه يعتق بنفس اللفظ ، فقد اختلف أصحابنا في وقوع العتق عليها ، هل يقترن بعتق ملكه ، أو يتعقبه بالسراية بعد نفوذ العتق في ملكه على وجهين :
أحدهما : يعتق بالسراية بعد نفوذ العتق في ملكه ولا يعتق الجميع في حالة واحدة بلفظه ؛ لأنه لو تلفظ بعتق حصة الشريك لم يعتق بلفظه ، فدل على عتقه بالسراية دون لفظه .
والوجه الثاني : قاله شاذ من أصحابنا أن جميعه يعتق في حالة واحدة عتق مباشرة ، لا يتقدم أحدهما على الآخر ؛ لأن عتقهما عن لفظ ، فوجب أن يقع عليها باللفظ ، ويكون المعتق مأخوذا بالقيمة على الوجه الأول ، عقيب عتقه ، وعلى الوجه الثاني بقيمته مع عتقه ، ولو مات العبد عقيب العتق ، مات حرا ، وماله لورثته ، ولم تسقط القيمة عن معتقه ، ويملك إكساب نفسه ، وتسقط نفقته ، وزكاة فطره ، عن معتقه ، ولو مات المعتق قبل دفع القيمة ، أخذت من تركته لو أعسر بها ، بعد يساره كانت دينا يحاص بها الشريك جميع غرمائه ، ولو وتعذرت البينة بها ، كان القول فيها قول المعتق مع يمينه ؛ لأنه غارم ، ولو كان مكان العبد أمة حامل ، فولدت بعد عتقها ، وقبل دفع قيمتها ، عتق معها ، ولم يلزمه قيمة ولدها . اختلف المعتق والشريك في قيمة الحصة ،
ولو مات الولد كان موروثا ووارثا .
كان فيه غرة عبد ، أو أمة كجنين الحرة . وإذا قيل بالثاني : أنه لا يعتق إلا بدفع القيمة ، فهل يكون العتق معتبرا بالدفع من جهة المعتق ، أم بالقبض من جهة الشريك ؟ على وجهين : ولو ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا ،
أحدهما : يكون العتق معتبرا بدفع المعتق ، وتمكين الشريكين قبضه ، سواء قبضه منه ، أو لم يقبضه ؛ لأن العتق واقع بها فاعتبر بفعل من كان العتق واقعا في حقه ، فعلى هذا تصير القيمة داخلة في ملك الشريك بدفع المعتق لها ، وتمكن الشريك من قبضها ، ولو تلفت قبل قبضها كانت تالفة من مال الشريك دون المعتق ، ولم يلزمه غرمها .
والوجه الثاني : لا يعتق بدفع القيمة ، حتى يقبضها الشريك لأن تأخر العتق على دفع القيمة ، إنما وجب ليصل إلى حقه منها ، وهو قبل القبض غير واصل إليه ، فعلى هذا لا يدخل في ملكه إلا بعد قبضه ، فإن تمانع من القبض أجبره الحاكم عليه ، ولو [ ص: 14 ] تلفت قبل قبضه ، كانت تالفة من مال المعتق دون الشريك ، وعلى المعتق غرمها ، وعلى الوجهين معا لو أبرأ الشريك من القيمة ، لم يبرأ منها المعتق ، لوقوع العتق بدفع القيمة ، وليس الإبراء دفعا ، وهذا بخلاف إبراء المكاتب حيث عتق به ، وقام مقام أدائه به ؛ لأن عتق الكتابة عن مراضاة فغلب فيها حكم الديون في الذمم ، وهذا المعتق عن إجبار فغلب فيها حكم العتق بالصفة ، ولو مات العبد قبل دفع القيمة ، ففي استحقاقها على المعتق وجهان :
أحدهما : لا يستحق عليه ؛ لأن العتق لم يحصل له ، ويكون لمعتقه نصف ولائه . يستحق به نصف ميراثه ، ونصفه الآخر رقا لشريكه يملك به نصف ما تركه العبد من مال .
والوجه الثاني : يستحق عليه الشريك قيمة حصته لمنعه من التصرف فيه ، وحبسه على المعتق في حقه ، فعلى هذا هل يكون دفع القيمة موجبا لنفوذ العتق فيه ، على وجهين :
أحدهما : يعتق ؛ لأنه لا يجوز أن يغرم بحكم العتق ما لا ينفذ فيه العتق .
والوجه الثاني : لا يعتق ؛ لأنه لا يجوز أن يقع . وإذا كان مكان العبد أمة حامل ، فولدت قبل دفع القيمة ، كانت حصة المعتق منه مولودة على الحرية ، وحصة الشريك منه مولودة على الرق ، والمعتق مأخوذ بقيمتها كالأم ، ويعتقان معا عليه بدفع القيمة . العتق بعد الموت
ففيه نصف دية جنين حر ، ونصف دية جنين مملوك ، فيكون فيه نصف الغرة ، ونصف عشر قيمة أمه يرث المعتق ما وجب بحريته ، ويملك الشريك ، ما وجب برقه ، ولا يضمن المعتق حصة الشريك من الجنين وجها واحدا ؛ لأن الجنين ، لا يضمن إلا بالجناية ، ثم نفقة العبد ، وزكاة فطره ساقطة عن معتقه ، ومشتركة بينه وبين الشريك المالك لرق حصته ، لا يسقط عنه إلا بعد عتقها ، بأخذ قيمتها وإن اختلفا في القيمة ، فالقول فيها قول الشريك دون المعتق ، لبقائها على ملكه ، فلم يزل إلا بقوله . ولو ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا ،
وإن قيل بالثالث : أن العتق في حصة الشريك ، موقوف مراعى ، فإن أخذ القيمة بان بها ، تقدم العتق بلفظ المعتق وجرى عليه أحكام القول الأول ، وإن لم يصل إلى القيمة لم يعتق وجرى عليه أحكام القول الثاني ، ودفع القيمة واجب في حق كل واحد منهما ، فإن بذلها المعتق أجبر الشريك على قبضها ، وإن طلبها الشريك أجبر المعتق على دفعها ، وإن أمسك الشريك عن الطلب ، وأمسك المعتق عن الدفع ، كان للعبد أن يأخذ المعتق بالدفع ، والشريك بالقبض ، وإنما أخذهما بذلك لما استحقه عليهما من [ ص: 15 ] تكميل عتقه ، فإن أمسك العبد - مع إمساكهما - كان للحاكم أن يأخذهما بتكميل العتق ، لما فيه من حق الله تعالى .
استحقها الشريك على المعتق ، وجها واحدا ؛ لأن دفعها يوجب تقدم عتقه باللفظ ، ويكون ولاء نصفه مستحقا للمعتق ، وولاء نصفه الباقي موقوفا على دفع القيمة ، ويكون إكساب العبد في حياته - يملك منها نصفها بحريته ، ونصفها موقوف بينه وبين الشريك المالك لرقه وينفق منه على نفسه بقدر رقه . وإذا مات العبد قبل دفع القيمة
أنظر بها إلى ميسرته وكان قدر الرق والكسب على وقفه ، فإن مات المعتق على إعساره ارتفع الوقف وتصرف الشريك في القدر المسترق وملك ما قابله من الكسب . وبالله التوفيق . وإذا أعسر المعتق بالقيمة بعد يساره ،