[ ص: 277 ] [ باب الشهادة في الوصية ] .
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ، في الاثنين فسواء ويعتق من كل واحد منهما نصفه ( قال ولو شهد أجنبيان لعبد أن فلانا المتوفى أعتقه وهو الثلث في وصيته ، وشهد وارثان لعبد غيره أنه أعتقه وهو الثلث المزني : ) قياس قوله أن يقرع بينهما ، وقد قاله في غير هذا الباب " .
قال الماوردي : واختلف أصحابنا في صورة هذه المسألة هل هي في العتق الناجز في المرض ، أو الوصية بالعتق بعد الموت ؟
وكلام الشافعي يحتمل كلا الأمرين ، لأنه قال : ولو شهد أجنبيان أنه أعتقه وهو الثلث في وصيته ، ويشهد وارثان لعبد غيره أنه أعتقه وهو الثلث في وصيته ، فلهم في مراد الشافعي تأويلان تختلف أحكامهما باختلاف المراد بها :
أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج ، وأبي إسحاق المروزي ، وأبي علي بن أبي هريرة ، أنها مقصورة في الوصية بالعتق بعد الموت .
فيشهد أجنبيان أن المتوفى وصى بعتق عبده سالم بعد الموت وهو الثلث . ويشهد وارثان أنه وصى بعتق عبده غانم وهو الثلث ، فعبر عن العتق بالوصية ، لأنها وصية بالعتق . فتقبل شهادة الوارثين كما تقبل شهادة الأجنبيين ، لأنهما لا يجران بها نفعا ولا يدفعان بها ضررا ، فصار بالشهادتين موجبا بعتق عبدين قيمة كل واحد منهما ثلث التركة ، وسواء كانت الوصية بعتقهما في الصحة أو في المرض ، أو أحدهما في الصحة ، والآخر في المرض ، لاستواء الوصايا في الصحة والمرض والمتقدم والمتأخر وإذا كان كذلك فهو على ضربين :
أحدهما : أن تكون في الوصية بعتقهما دليل على تبعيض العتق كأنه قال : أعتقوا سالما إن احتمله الثلث ، وإلا فأعتقوا منه قدر ما احتمله وأعتقوا غانما إن احتملوا الثلث ، وإلا فأعتقوا منه قدر ما يخرج منه ، فإذا كانت قيمة كل واحد منهما سواء صار كأنه قد وصى بعتق النصف من كل واحد منهما ، فهاهنا يعتق من كل واحد منهما نصفه
[ ص: 278 ] ولا يقرع بينهما لأن من أوصى بعتق النصف من كل واحد من عبدين عتق من كل واحد منهما نصفه ولم يكمل العتق في أحدهما بالقرعة كذلك هاهنا .
فإن أراد المزني القرعة بينهما في هذا الموضع كان خطأ منه لما بيناه ، والجواب عنه متفق عليه .
والضرب الثاني : أن تكون الوصية بعتقهما مطلقة ، ليس فيها ما يدل على تبعيض العتق في كل واحد منهما ، فيكون كالموصي بعتقهما معا ، والثلث لا يحتملها لأنه لا فرق في الوصية بعتقهما بين الجمع والتفريق ، فوجب أن يقرع بينهما ليكمل العتق في أحدهما ، كما أقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ستة أعبد أعتقوا في المرض فأعتق منهم اثنين وأرق أربعة ، لأنه لا يجوز أن يعتقا معا مع زيادتهما على الثلث الذي منع الشرع منه إلا بإجازة الورثة ، ولا يجوز أن يقصد عتق أحدهما من غير قرعة ، لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ، ولا يجوز تبعيض العتق فيهما ، لأن المقصود من العتق تكميل المنافع بالحرية ، ولذلك إذا أعتق شركا له في عبد ، قوم عليه باقيه لتكميل منافعه بعتق جميعه ، فلم تبق بعد امتناع هذه الوجوه إلا دخول القرعة بينهما ، لتكميل العتق فيمن قرع منهما .
فإن استوت قيمة العبدين وكان قيمة كل واحد منهما ثلث التركة فأيهما قرع عتق جميعه ورق الآخر ، وإن اختلفت قيمة العبدين فكانت قيمة أحدهما ثلث التركة وقيمة الآخر سدسها ، فإن قرع من قيمته الثلث عتق جميعه ورق جميع الآخر ، وإن قرع من قيمته السدس عتق جميعه ونصف الآخر ورق باقيه .
وإن أراد المزني الإقراع بينهما في هذا الموضع ، فقد أصاب في الجواب ، وأخطأ في العبارة ، لأنه مذهب الشافعي وليس بمقيس على مذهبه ، فكان الأصح في عبارته أن يقول : هذا مقتضى قوله ، ولا يقول : هذا قياس قوله .
" وإن كان الخطأ في العبارة مع الصواب في المعنى مغفورا " فإنما أراد الشافعي بقوله : [ عتق ] من كل واحد منهما نصفه ، يعني في الحكم ، ويكمل في أحدهما بالقرعة ، تعويلا على ما أبانه من مذهبه في غير هذا الموضع .
وهذا الجواب متفق عليه إذا ثبتت عدالة الوارثين وعدالة الأجنبيين ، فإن ثبتت عدالة الوارثين وفسق الأجنبيين بطلت الوصية بعتق من شهد بها الأجنبيان ورق جميعه ، وصحت بعتق من شهد بها الوارثان وعتق جميعه .
وإن ثبتت عدالة الأجنبيين وفسق الوارثين ، بطلت الوصية بعتق من شهد له الوارثان ورق جميعه ، وصحت بعتق من شهد له الأجنبيان وعتق جميعه ولا يلزمهما [ ص: 279 ] بالإقرار بعد رد الشهادة أن يعتق من شهدا له بالوصية ، لأنه لا ينفذ العتق بالوصية حتى يعتق بعد الوصية ، وليس يلزم أن يعتق بالوصية إلا من احتمله الثلث ، وقد استوعب الثلث بعتق من شهد له الأجنبيان ، فبطلت في غيره وإن أقر بها الوارثان .