فصل : وإذا تقرر أن النكول عن اليمين لا يوجب ثبوت الحق ، فهو معتبر فيما أمكن من رد اليمين على المدعي .
فأما ما تعذر فيه رد اليمين على المدعي ، فقد ذكر أبو سعيد الإصطخري مسألتين ، ولهما نظائر ، خرج الحكم فيها بالنكول على وجهين :
إحدى المسألتين فيمن ، فاليمين هاهنا في الرد ومع الشاهد متعذرة ، لأن المستحق له كافة المسلمين ، وإحلافهم جميعهم غير ممكن ، وإحلاف بعضهم غير متعين ، والإمام وإن تعين في المطالبة ، فهو نائب ، والنيابة في الأيمان لا تصح . مات ، ولا وارث له ، إلا كافة المسلمين ، فظهر في حسابه الموثوق به دين على رجل أنكره ، ونكل عن اليمين ، أو شهد به شاهد واحد لم تكمل به البينة إلا مع يمين
وإذا امتنع الرد في الأيمان بما ذكرنا ، ففي الحكم بالنكول وجهان حكاهما أبو سعيد الإصطخري :
أحدهما : يحكم بالنكول ، لأنه موضع ضرورة خرج عن حكم الإمكان .
والوجه الثاني : لا يحكم عليه بالنكول اعتبارا بموجب الأصل ، الذي تقدم تقريره ولكن يحبس حتى يحلف أو يعترف بالحق ، فهذه إحدى المسألتين .
والمسألة الثانية : في رجل ، لم يجز أن ترد اليمين على الوصي ، لأنه نائب ، ولا على الفقراء ، لأنهم لا ينحصرون . ادعى على ورثة أن ميتهم وصى إليه بإخراج ثلثه من [ ص: 146 ] ماله وتفرقته في الفقراء والمساكين ، فأنكروه ، ونكلوا عن اليمين
وفي الحكم عليه بالنكول وجهان حكاهما أبو سعيد الإصطخري أيضا تعليلا بما ذكرنا .
فأما إذا ، لم يحلف الوصي ولم يحكم بالنكول وجها واحدا ، وكان رد اليمين موقوفا على بلوغ الطفل ، لأن لرد اليمين وقتا منتظرا . ادعى الوصي حقا لطفل ، فأنكر المدعى عليه ذلك ، ونكل عن اليمين
فأما ما أوجبناه في الزكاة بنكول رب المال ، فيما يدعيه من سقوطها عنه بعد ظهور وجوبها عليه ، فقد ذكرنا في مواضعه أنه حكم بالظاهر المتقدم دون النكول الطارئ والله أعلم .