مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وفيه دلالة أن النفقة ليست على الميراث ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك من أن لا تضار والدة بولدها لا أن عليها النفقة " .
قال الماوردي : وهذا صحيح وأحق الناس بتحمل نفقة الولد أبواه إذا استكملت [ ص: 479 ] فيهما شروط الالتزام ، فإن فقد اختلف الفقهاء فيمن تجب عليه بعد الأب على أربعة مذاهب . أعسر الأب بها أو مات
أحدها : وهو مذهب الشافعي أنها تجب على الجد أبي الأب ثم آبائه وإن علون دون الأم .
سواء مات الأب أو أعسر ، ثم تنتقل بعدهم إلى الأم .
والثاني : وهو مذهب مالك أنها لا تجب على الأم ولا على الجد ، سواء مات الأب أو أعسر : لبعد نسب الجد وضعف النساء عن التحمل .
والثالث : وهو مذهب أبي يوسف ومحمد أنه إن أعسر الأب تحملتها الأم لترجع بها عليه إذا أيسر وإن مات الأب كانت على الجد دون الأم .
والرابع : وهو مذهب أبي حنيفة أنها تجب في موت الأب وإعساره على الجد والأم أثلاثا كالميراث ، ثلثها على الأم وثلثاها على الجد : استدلالا بقول الله تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف الآية . إلى أن قال وعلى الوارث مثل ذلك ، يعني مثلما كان على الأب من رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، والأم والجد وارثان فوجب أن يشتركا في تحمل ذلك كاشتراكهما في الميراث . وهذا نص .
ودليلنا هو : أن الجد ينطلق عليه اسم الأب فانطلق عليه حكمه قال تعالى : يابني آدم [ الأعراف : 26 ] فسمانا أبناء وسمى آدم أبا ، وقال عز وجل ملة أبيكم إبراهيم [ الحج : 78 ] فسماه أبا وإن كان جدا بعيدا ، ولأنه لما قام الجد مقام الأب في الولاية واختص دون الأم بالتعصيب وجب أن يقوم مقامه في التزام النفقة ، فأما الآية فلا دليل فيها ؛ لاختلاف أهل التأويل في المراد بالوارث هاهنا على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه المولود يلتزم نفقة أمه بعد موت أبيه كما التزمها أبوه ، وهو قول قبيصة بن ذؤيب ، وعلى هذا التأويل يسقط الدليل . .
والثاني : أنه أراد وارث الأب ، فعلى هذا الجد الذي هو أبوه أخص بميراثه نسبا من الأم التي هي زوجته ، فسقط الدليل .
والثالث : أنه وارث المولود ، فعلى هذا يكون المراد بقوله مثل ذلك ما حكاه الشافعي عن ابن عباس وتابعه عليه الزهري والضحاك في أن لا تضار والدة بولدها ، فسقط الاستدلال بها على التأويلات كلها .