الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإذا بلي أخلفه ، وإنما جعلت أقل الفرض في هذا بالدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم في دفعه إلى الذي أصاب أهله في شهر رمضان عرقا فيه خمسة عشر صاعا لستين مسكينا وإنما جعلت أكثر ما فرضت مدين ؛ لأن أكثر ما أمر به [ ص: 434 ] النبي صلى الله عليه وسلم في فدية الأذى مدان لكل مسكين فلم أقصر عن هذا ولم أجاوز هذا مع أن معلوما أن الأغلب أن أقل القوت مد وأن أوسعه مدان ، والفرض الذي على الوسط الذي ليس بالموسع ولا المقتر بينهما مد ونصف وللخادمة مدا " . قال الماوردي : أما القوت فمستحق في كل يوم ، عليه دفعه إليها مرة واحدة ، ولا يوقته عليها ، وتستحقه في أول النهار ؛ لتتشاغل بعمله ولتبدي منه لغذائها ، فعلى هذا إن دفعه إليها فسرق منها أو تلف في إصلاحه لم يلزمه بدله كما لو دفع إليها صداقها فرق ، فأما الكسوة فالعرف الجاري فيها ، أن تستحق في السنة دفعتين : كسوة في الصيف تستحقها في أوله ، وكسوة في الشتاء تستحق في أوله فتكون مدة كل واحد من الكسوتين ستة أشهر ، وتستحق عند انقضائها الكسوة الأخرى ، وإذا كان كذلك لم يخل حال المكسوة بعد لباسها من ثلاثة أحوال : أحدها : أن تكون وفق مدتها لا تخلق قبلها ولا تبقى بعدها فقد وافقت مدة الاستحقاق ، فعليه بعد انقضاء المدة أن يكسوها الكسوة الثانية . والحال الثانية : أن تبلى كسوتها قبل انقضاء مدتها . فينظر فيها . فإن بليت لسخافة الثياب ورداءتها كساها غيرها لباقي مدتها ، وإن بليت لسوء فعلها وفساد عادتها لم يلزمه غيرها إلى انقضاء المدة . والحال الثالثة : أن تبقى الكسوة بعد انقضاء مدتها ففيه وجهان : أحدهما : يلزمه كسوتها في وقتها مع بقاء ما تقدمها كما لو بقي من قوت يومها إلى غده استحقت فيه قوتها . والوجه الثاني : لا تستحق الكسوة مع بقائها بعد المدة بخلاف القوت . والفرق بينهما : أن الكسوة معتبرة بالكفاية والقوت معتبر بالشرع ، والأصح عندي من إطلاق هذين الوجهين أن ينظر في الكسوة ، فإنبقيت بعد مدتها لجودتها لم تستحق بدلها ؛ لأن الجودة زيادة ، وإن بقيت بعدها لصيانة لبسها استحقت بدلها كما لو لم تلبسها ، هذا كله فيما عدا الجباب . فأما الجباب فمنها ما يعتاد تجديده في كل شتوة مثل : جباب القطن ، فعليه أن يكسوها في كل شتوة جبة ، ومنها ما يعتاد أن يلبس سنتين وأكثر كالديباج والسقلاطون . فلا يلزمه إبدالها في كل شتوة ، ويعتبر فيه عرف مثلها فيما تلبس له من السنين ، وأما الدثار من اللحف والقطف والأكسية وما تستوطئه من الفرش والوسائد فهو في العرف أبقى من الكسوة ، ومدة استعماله أطول من مدة الثياب ، ومدة اللحف والقطف أطول من مدة الوسائد والفرش لقصور مدة استعمال اللحف لاختصاصها بالشتاء ، والفرش مستدامة في الصيف والشتاء ، فيعتبر في ذلك [ ص: 435 ] العرف والعادة ، وهي جارية بتصرفها وعملها في كل سنة والاستبدال بها في كل سنتين فيراعى فيها العرف والعادة في مدة استحقاقها ، فإن بليت قبلها أو بقيت بعدها فهي كالثياب على ما مضى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية