مسألة : قال الشافعي : " وأقل ما علمناه من الحيض يوم وقال في موضع آخر : يوم وليلة ( قال المزني ) رحمه الله : وهذا أولى ؛ لأنه زيادة في الخبر والعلم ، وقد يحتمل قوله يوما بليلة ، فيكون المفسر من قوله يقضي على المجمل وهكذا أصله في العلم " .
قال الماوردي : وقد مضى في كتاب الحيض ، وإعادته في هذا الموضع لما يتعلق به من العدة بالأقراء . فذكر في هذا الموضع أن أقله يوم ، وقال في موضع آخر : أقله يوم وليلة فاختلف أصحابنا في اختلاف هذين النصين على ثلاثة أوجه : أحدها : أنه على اختلاف قولين : أحدهما : أقله يوم وليلة . والثاني : أقله يوم وهذه طريقة فاسدة ؛ لأن القولين فيما احتمله الاجتهاد من تعارض ظاهرين أو ترجيح قياسين ، وأقل الحيضتين معتبر بالوجود المعتاد ، فإن وجد الأقل بطل الأكثر ، وإن لم يوجد بطل الأقل . أقل الحيض
والوجه الثاني لأصحابنا : أن أقله يوم بغير ليلة ؛ لأنه كان يرى أن أقله يوم وليلة إلى أن صح عنده ما قاله الأوزاعي أنه كان عندهم امرأة تحيض بالغداة وتطهر بالعشي ، وكتب إليه عبد الرحمن بن مهدي بمثل ذلك فصار إليه ورجع عن اليوم والليلة .
والوجه الثالث : وهو أصح الطرق الثلاثة أن أقله يوم وليلة ، وقوله في هذا الموضع " أقله يوم " يريد به ليلته ، لأن العرب تذكر الأيام ، وتريد بها مع الليالي و تذكر الليالي وتريد بها مع الأيام ويجمع بينها للتأكيد قال الله تعالى : ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا [ مريم : 10 ] . وأراد بأيامها ، وقال تعالى : ثلاثة أيام إلا رمزا [ آل عمران : 41 ] . وأراد بلياليها ، فأما المزني فإنه وافق على هذا ، في أن أقل الحيض يوم وليلة وخالف في العلة قال : لأنه زيادة في الخبر والعلم ، وهذا تعليل فاسد ، لأن زيادة العلم وجود الأقل لا وجود الأكثر ، ولو كان هذا التعليل صحيحا لكان ما قاله أبو حنيفة من تحديد أقله بالثلاث أصح ؛ لأنه أزيد علما ، وأحسب المزني لم يزد ما توهمه [ ص: 179 ] أصحابنا من زيادة العلم بالوجود ، وإنما أراد زيادة العلم بالنقل عن الشافعي ؛ لأنه ممن لا يخيل عليه مثل هذا فينسب إليه والله أعلم .