مسألة : قال الشافعي : " وليس في الكتاب ولا في السنة للغسل بعد الحيضة الثالثة معنى تنقضي به العدة " .
قال الماوردي : والذي أراد الشافعي بهذا الفصل الرد على أبي حنيفة والعراقيين في مخالفة الظاهر في الثلاثة الأقراء التي أمر الله تعالى بها ، ويناقض أقاويلهم فيها ؛ لأن الكتاب والسنة قد دلا على ، وزاد عليها وجوب ثلاثة أقراء من غير زيادة أبو حنيفة مع كون الزيادة عنده نسخا ، فقال : إذا استكملت الحيضة الثالثة التي تنقضي بها عنده العدة قال : اعتبر الحيضة الثالثة ، فإن كانت عشرة أيام كاملة انقضت بها العدة إذا تعقبها الطهر سواء اغتسلت أو لم تغتسل ، وإن كانت الحيضة الثالثة ناقصة لنقصانها عن عشرة أيام لم تنقض عدتها حتى تغتسل أو يمر عليها وقت الصلاة ، ويفوت وهي قبل ذلك في العدة ، وللزوج الرجعة " وكذلك يقول في استبراء الأمة بالحيضة : إنها كالحرة في الاستبراء قبل الغسل ، فإن اغتسلت إلا مقدار كف من جسدها فكلا غسل ، والعدة باقية ، وإن وحلت للأزواج وإن لم تستبح الصلاة حتى يعم الغسل جسدها ، وإن تيممت فهي في العدة حتى تدخل في [ ص: 173 ] الصلاة ، وإن اغتسلت بسؤر الحمار فهي في العدة حتى تتيمم فتنقضي العدة وإن لم تدخل في الصلاة ، ولا يحل لها التصرف في نفسها حتى تدخل في الصلاة ، وقال في الذمية : تنقضي عدتها ، وإن لم تغتسل ولم يمر عليها وقت الصلاة . اغتسلت إلا مقدار إصبع فقد انقضت العدة ، وبطلت الرجعة
وهذه كلها أقاويل مختلفة ينقض بعضها بعضا ، وجميعها زيادة على النص المقدر ، وقال شريك بن عبد الله : لا تنقضي عدتها بعد انقضاء الحيضة الثالثة إلا بالغسل وحده مع كمال الحيض ؛ استدلالا بأن بقاء الغسل من بقايا أحكام الحيض ، فلم يجز أن يحكم بانقضائه مع بقاء حكمه ، والدليل على فساد هذه المذاهب قول الله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] ففي الظاهر وجوب غيرها ، فصارت الزيادة عليه مخالفة الظاهر كالنقصان منها ، وقال : فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن فأباحهن بعد انقضاء أجلهن التصرف في أنفسهن ، ولم يشترط فيه غسلا ولا صلاة ؛ ولأنها عدة منعت من الأزواج فوجب أن ترتفع قبل الاغتسال كالحيض الكامل ، ولأن ما انقضت العدة بكمال مدته انقضت بنقصان مدته كالحمل ؛ ولأنه لما لم يكن الغسل مشروطا في ابتدائها فأولى أن لا يكون مشروطا في انتهائها لقوة الابتداء وضعف الانتهاء . فأما الجواب عن قولهم أن بقاء الغسل من أحكام الحيض دليل على بقاء الحيض فمن وجهين : أحدهما : فساد اعتبار بالحيض الكامل ومرور وقت الصلاة ، فإن بقاء الغسل فيهما لا يوجب بقاء الصلاة . والثاني : أن وجوب الغسل مستحق للصلاة ووطء الزوج ، وليس واحد منهما مشروطا في العدة فلم يكن ما يوجب لهما مستحقا فيهما ، ثم يقال لهم : شرطهم الغسل للعدة في بعض الحيض وهو واجب في كل الحيض ، وأوجبتموه على بعض المعتدات من المسلمات ولم توجبوه على الذميات ، وجميعهن في العدة سواء ، وفرقتم بين من اغتسلت إلا قدر الكف وبين من اغتسلت إلا قدر الإصبع وكلاهما يرفع الحدث ولا يبيح الصلاة ، وأقمتم التيمم مقام الغسل في استباحة الصلاة ولم تقيموه مقامه في انقضاء العدة مع ارتفاع الحدث عندكم بالتيمم وأقمتم الغسل بسؤر الحمار مع التيمم مقام الغسل بماء القراح ومنعتموها من التصرف في نفسها مع انقضاء عدتها وإبطال رجعتها ، ولم تحكموا بذلك في غسلها فجعلتموها في حالة واحدة معتدة وغير معتدة ، وهذا مستحيل ، ثم يقال لهم : هدمتم بذلك على أنفسكم أصلا في أن الزيادة على النص نسخ وقد منعتم به من الشاهد واليمين ، ومن النفي مع الجلد ولم تمنعوا من وجوب الغسل مع الأقراء . [ ص: 174 ] فإن قالوا : رويناه عن الصحابة قيل : فقد نسختم على قولكم القرآن بقول الصحابة ، وهو استواء للحال وحسبك بهذا التناقض فسادا ، وبهذا الاعتذار تقصيرا .