فصل : فإذا ثبت أن زنا المقذوفة يسقط الحد عن قاذفها فقد قال الشافعي - رضي الله عنه - : " أو وطئت وطئا حراما " فجمع في سقوط الحد عن القاذف بين زناها وبين وطئها حراما ، وهذا الجمع على تفصيل لا يمكن حمله على الظاهر . والوطء الحرام ينقسم خمسة أقسام :
أحدها : ما يوجب الحد ويسقط العفة ، وهو أن يطأ ذات محرم له بعقد نكاح ، أو يطأ جارية أبيه أو جارية زوجته التي دفعها صداقا ، فيجب في ذلك الحد إذا علم . وتسقط به عفته ، ويكون كالزنا في سقوط الحد على القاذف .
والقسم الثاني : ما تسقط به عفته وفي وجوب الحد عليه قولان : وهو أن يطأ ذات محرم بملك يمين من نسب أو رضاع ، كمن ملك أمه من الرضاع أو أخته من نسب أو رضاع ، فوطئها بملكه ، ففي وجوب الحد عليه قولان مضيا في كتاب النكاح :
أحدهما : يحد .
والثاني : لا يحد ، وعفته على القولين معا ساقطة ويسقط بها الحد عن قاذفه .
والقسم الثالث : ما لا يوجب الحد ، ولكن يسقط بالعفة ، وهو أن يطأ جارية ابنه ، أو [ ص: 126 ] أمة بين شريكين وطئها أحدهما ، أو كوطء الزوجة والأمة في الدبر ، فلا حد في ذلك ، والعفة به ساقطة ، يسقط عنها الحد عن قاذفه .
والقسم الرابع : ما لا يوجب الحد ، وفي سقوط العفة وجهان : وهو الوطء في النكاح بلا ولي ، أو نكاح متعة ، أو شغار ، فقد اختلف أصحابنا في سقوط العفة به مع اتفاقهم على سقوط الحد على وجهين :
أحدهما : أن العفة باقية لسقوط الحد فيه ، فعلى هذا يجب الحد على القاذف .
والوجه الثاني : أن العفة ساقطة بهذا لما فيه من قلة التحرج مع ظهور الخلاف ، فعلى هذا يسقط الحد عن قاذفه .
والقسم الخامس : ما لا يوجب الحد ولا يسقط العفة ، وهو وطء الأمة أو الزوجة في الحيض ، أو الإحرام ، أو الصيام ، وكل ذلك حرام لكن لا حد فيه ، ولا تسقط به العفة ، والحد على قاذفه واجب ؛ لأنه وطء صادف محلا مباحا طرأ التحريم عليه لعارض .
فإذا تقرر ما وصفنا من سقوط الحد عن القاذف بما ذكرنا من حدوث الزنا والوطء الحرام على التفصيل المتقدم فلا حاجة إلى اللعان ، فأما إذا جاز أن يلاعن لنفيه ؛ لأنه لا ينفى عنه مع سقوط الحد إلا باللعان ، فأما إن أراد مع عدم الولد أن يرفع باللعان الفراش ليثبت به التحريم المؤبد ، ففي جوازه وجهان ، والله أعلم .