مسألة : قال الشافعي : " وإن أخطأ وقد قذفها برجل ولم يلتعن بقذفه فأراد الرجل حده أعاد عليه اللعان وقال في كتاب الطلاق من أحكام القرآن : وإلا حد له إن لم يلتعن ، وفي الإملاء على مسائل مالك : ولما حكم الله تعالى على الزوج يرمي المرأة بالقذف ولم يستثن أن يسمي من يرميها به أو لم يسمه " .
قال الماوردي : وجملته أنه إذا فلا يخلو فيه من ثلاثة أحوال : قذف زوجته برجل سماه
أحدهما : أن يقيم البينة .
والثاني : أن يلتعن .
والثالث : أن لا يفعل واحدا منهما .
فأما الحال الأولى : وهو أن يقيم البينة عليهما بالزنا ، فقد سقط عنه حد القذف لهما ووجب حد الزنا عليهما ، وهذا متفق عليه ، فإن أراد أن يلاعن بعد إقامة البينة على الزنا جاز ليرفع به الفراش ، وينفي به النسب ؛ لأنه لما جاز اللعان فيما لم يثبت من الزنا كان فيما ثبت أجوز .
فصل : أما الحال الثانية : وهو أن يلتعن ، فهي مسألة الكتاب فلا يخلو حاله في لعانه من أحد أمرين : إما أن يذكر فيه من رماه بها أو لا يذكر ، فإن ذكره في لعانه سقط عنه حد القذف لهما ، ووجب به حد الزنا على الزوجة ، ولم يجب به حد الزنا على المسمى معها ، فإن قيل : فلم لا يتساويان في وجوب الحد عليهما باللعان كما استويا في وجوب الحد عليهما بالبينة ؟
قيل : لوقوع الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن البينة عامة في حقوق الأزواج والأجانب ، واللعان خاص في حقوق الأزواج دون الأجانب .
[ ص: 66 ] والثاني : أنه لما كان للزوجة إسقاطه بلعانها جاز أن يجب عليها ، ولما لم يكن للأجنبي إسقاطه بلعانه لم يجز أن يجب عليه ، وإن لم يذكر الأجنبي المسمى في لعانه حين طالب بحد قذفه ففيه قولان :
أحدهما : قوله في " الإملاء " و " أحكام القرآن " : ولا حد عليه لأمرين :
أحدهما : أن الأجنبي في اللعان تبع للزوجة ، لأن اللعان لا يصح معه لو أفرد بالقذف ، فإذا سقط حد الزوجة باللعان سقط حد من تبعها فيه .
والثاني : أنه قذف بفعل واحد فإذا تحقق باللعان فعله من أحدهما تحقق من الآخر ، لأن الزنا لا يكون إلا من زانيين .
والقول الثاني : وهو قوله في القديم والجديد ، يحد للأجنبي إذا لم يسمه في لعانه لأمرين :
أحدهما : أن من لم يسم في اللعان لم يسقط حقه باللعان كالزوجة والولد .
والثاني : أنه لما لم يسقط قذف الأجنبي بعفو الزوجة لم يسقط اللعان منها ، وخرج عن أن يكون فيه تبعا لها ، فعلى هذا يكون ذكر الأجنبي في اللعان شرطا في سقوط قذفه .
وإن لم يكن ذكره فيه على القول الأول شرطا ، فإذا أخل بذكره قيل له : عليك له حد القذف إلا أن تلتعن ثانية من قذفه ، فإن قيل : فكيف يجوز أن يفرد اللعان بقذفه وهو لو انفرد بالقذف لم يجز أن يفرد باللعان ؟
قيل : لأن القذف إذا شارك فيه الزوجة جاز أن يكون في الالتعان منه مشاركا للزوجة ، ولأجل ذلك يؤثر في إعادة اللعان من قذفه بإعادة ذكر الزوجة فيه ولا يفرد بالذكر دونها كما لو ذكره في اللعان الأول ، وليس على الزوجة إعادة اللعان لسقوط الحد عنها باللعان الأول ، وليس للأجنبي أن يلاعن بعد لعان الزوج بخلاف الزوجة ، لأن الزوجة قد وجب عليها حد الزنا بلعان الزوج فجاز أن يتلاعن بعد لعانه ولم يجب على الأجنبي به حد ، فلم يجز أن يلاعن بعد لعانه .