مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " وإن أنكر أن يكون قذفها فجاءت بشاهدين لاعن ، وليس جحوده القذف إكذابا لنفسه " .
قال الماوردي : هذا كما قال ، ؛ لأنه بالإنكار يقول : لم أقذفها بالزنا وقد تكون زانية وإن لم يقذفها ، فلذلك لاعن ، ولو أكذب نفسه في إنكاره فقال : ما زنت لم يكن له أن يلاعن بعد قيام البينة عليه بالقذف . إذا قامت عليه البينة بالقذف بعد إنكاره ، لم يكن إنكاره إكذابا لنفسه في لعانه
مثال ذلك من الوديعة إذا ادعيت عليه ، فإن قال : ليس لك في يدي وديعة ، أو لا تستحق معي وديعة ، فقامت عليه البينة بأنه قد أودعه فادعى تلفها قبل قوله ؛ لأنه لم يكذب نفسه في الأول ، ولو قال : لم تودعني ، ثم قال بعد قيام البينة عليه بالوديعة قد أودعتني وتلفت لم يقبل قوله ؛ لأنه مكذب لنفسه في الأول . كذلك لا يكون مكذبا لنفسه بإنكار القذف فلذلك لاعن ، واختلف أصحابنا ، هل يكون إنكاره إكذابا للبينة أم لا ؟ على وجهين : حكاهما حكم اللعان بعد إنكار القذف ابن أبي هريرة .
[ ص: 34 ] أحدهما : لا يكون إكذابا لها كما لا يكون إكذابا لنفسه ؛ لأنه يقول : إن القذف ما احتمل الصدق والكذب ، وأنا صادق في أنها زنت ، فلم أكن قاذفا ، والشهود قد صدقوا فيما شهدوا به علي من قولي أنها زنت ، فعلى هذا يجوز أن يلاعنها بعد قيام البينة عليه من غير قذف يستجده .
والوجه الثاني : أن يكون مكذبا للبينة بإنكار القذف ؛ لأنها شهدت عليه بقول قد نفاه عن نفسه بإنكاره ، وما ذكره من معنى القذف تأويل لا يقبل في حق غيره ، فلذلك كان إكذابا للبينة وإن لم يكن إكذابا لنفسه ، فعلى هذا ليس له أن يلاعن بعد قيام البينة إلا بقذف يستجده ، وهذا هو فائدة هذين الوجهين .