فصل : فإذا ثبت جواز وجب بمثله الحد ، فلا يخلو حال الزوجة من أحد أمرين : إما أن تكون حائلا أو حاملا ، فإن كانت حائلا غير ذات حمل فينقسم حالها ثلاثة أقسام : اللعان بكل قذف
أحدها : يجوز أن يقذفها ويلاعن منها ، وذلك في أربعة أحوال :
إما أن يراها تزني ، وإما أن تقر عنده بالزنا ، وإما أن يخبره بزناها ثقة يقع في نفسه صدقه . وإما أن يستفيض في الناس أنها تزني ويرى مع هذه الاستفاضة رجلا قد خرج من عندها في أوقات الريب فيتحقق به صدق الاستفاضة ، فيجوز له في هذه [ ص: 17 ] الأحوال الأربع أن يقذفها بالزنا ويلاعن منها ، فإن أمسك عن قذفها ولعانها جاز ، وكانا على الزوجية وحال الإباحة لما روي ، فأباح إمساكها مع ما كنى عنه من زناها . أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن امرأتي لا ترد يد لامس ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : طلقها ، قال : إني أحبها ، قال : فأمسكها
والقسم الثاني : أن التي لا يجوز أن يقذفها ولا أن يلاعن منها وهي العفيفة ، وهي التي لم يرها تزني ولا أقرت بالزنا ، ولا استفاض في الناس زناها ولا أخبره ثقة بزنا ، فلا يحل له قذفها ، ولا أن يلاعن منها ، قال الله تعالى : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم [ النور : 11 ] .
نزلت هذه الآية في الإفك على عائشة - رضوان الله عليها - ، وحكمها عام .
والقسم الثالث : مختلف في جواز قذفها ولعانها ، وهو أن ، ففي جواز قذفها ، ولعانها وجهان : يستفيض في الناس زناها ، ولا يرى مع الاستفاضة رجلا يدخل عليها ولا يخرج من عندها
أحدهما : يجوز ؛ لأن الاستفاضة أقوى من خبر الواحد وإن كان ثقة .
وإنه لما جاز أن تكون الاستفاضة لوثا في القسامة يحلف بها على القتل ، جاز أن تكون من شواهد القذف .
والوجه الثاني : وهو قول أبي حامد الإسفراييني أنه لا يجوز أن يقذفها به ؛ لأن هذه الاستفاضة قد يجوز أن تشتهر عن قول واحد يتخرص عليها بالكذب . والأول منهما أظهر عندي ، فأما إن لم يجز أن يقذفها ؛ لأنه ربما خرج من عندها لحاجة أو ربما ولج عليها فلم تطعه ، فهذا حكم الحائل . رأى رجلا يخرج من عندها