مسألة : قال
الشافعي - رضي الله عنه - : " ولما لم يخص الله أحدا من الأزواج دون غيره ولم يدل على ذلك سنة ولا إجماع كان على كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض ، وكذلك كل زوجة لزمها الفرض ، ولعانهم كلهم سواء لا يختلف القول فيه والفرقة ونفي الولد ، وتختلف الحدود لمن وقعت له وعليه " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال .
nindex.php?page=treesubj&link=12245_12244_12246_12247_12235_12236_12237_12248اللعان يمين تصح من كل زوج صح طلاقه وظهاره ، ومع كل زوجة صح منها فعل الزنا ، سواء كانا مسلمين أو كافرين أو أحدهما مسلما والآخر كافرا ، وسواء كانا حرين أو مملوكين ، أو أحدهما حرا والآخر مملوكا ، وسواء كانا عفيفين أو محدودين في قذف أو أحدهما عفيفا والآخر محدودا ، وبه قال من التابعين :
الحسن البصري ،
وسعيد بن المسيب ،
وسليمان بن يسار . ومن الفقهاء :
ربيعة ، ومالك ، والليث بن سعد ،
وسفيان الثوري ،
وابن شبرمة ،
وأحمد ،
وإسحاق .
وقال
أبو حنيفة ، وصاحباه :
nindex.php?page=treesubj&link=12244_12248_12234اللعان شهادة لا تصح إلا من مسلمين حرين ، عفيفين ، فإن كانا كافرين أو أحدهما ، أو مملوكين أو أحدهما ، أو محدودين في قذف أو أحدهما ، لم يصح لعانه .
وبه قال
الزهري والأوزاعي ، واستدل على أن اللعان شهادة بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله [ النور : 6 ] فدلت هذه الآية على أن اللعان شهادة من وجهين :
أحدهما : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم .
فاستثناهم من الشهداء بأن جعلهم شهداء لأنفسهم ، والاستثناء من الجملة داخل في جنسها .
[ ص: 13 ] والثاني : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله فعبر عنه بلفظ الشهادة وعلق عليه عدد الشهادة في الزنا ، فدل اللفظ والعدد على أنه شهادة . وقال : ولأن ما لا يصح إلا بلفظ الشهادة لم يكن يمينا وكان شهادة اعتبارا بسائر الشهادات ، قال : ولأنه رفع حكم القذف فوجب أن يكون شهادة كالبينة ، واستدل على أنه لا يصح منهما إذا كان أحدهما كافرا أو مملوكا أو محدودا . برواية
عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924200nindex.php?page=treesubj&link=12237_12236_12246_12247أربع من النساء لا لعان بينهن وبين أزواجهن : النصرانية واليهودية تحت مسلمين ، والحرة تحت مملوك ، والمملوكة تحت حر قالوا : هذا نص ، قالوا : ولأن كل من لم يكمل الحد بقذفها لم يصح اللعان بينها وبين زوجها كالصغيرة ، قالوا : ولأن اللعان بين الزوجين كالحد في حق الأجانب ، فلما لم يجب الحد إلا بقذف حرة مسلمة لم يصح اللعان إلا من حرة مسلمة ،
nindex.php?page=treesubj&link=12190والدليل على أن اللعان يمين وليس شهادة : ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في زوجة
هلال بن أمية حين جاءت بولدها على النعت المكروه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924201لولا ما مضى من الأيمان لكان لي ولها شأن فسمى اللعان يمينا ، ولأنه لا يجوز أن يشهد الإنسان لنفسه وإن جاز أن يحلف لها ، وكل واحد من الزوجين يلاعن عن حق لنفسه فثبت أنه يمين وليس بشهادة ، ولأنه لو كان شهادة لما لزم تكراره أربعا ؛ لأن الشهادة لا تكرر ، والأيمان قد تكرر ، ولأن الشهادة لا يتضمنها لعن ولا غضب ، ولأن المرأة لا تساوي الرجل في الشهادة وتساويه في الأيمان ، وهي في اللعان مساوية للرجل ، فثبت أنه يمين ، ولأن لفظ اللعان أن يقول : أشهد بالله ، ولا خلاف أن قول الإنسان في غير اللعان : أشهد بالله ، أنه يمين ، فكذلك في اللعان ولأنه لو كان شهادة لما صح لعان الفاسقين ، ولا من الأعميين التحصن وقد وافق على صحة لعان هذين فدل على أنه يمين وليس بشهادة ، والدليل على أنه يصح من الكافرين والمملوكين عموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6والذين يرمون أزواجهم [ النور : 6 ] ولم يفرق ، ولأن كل زوج صح طلاقه صح لعانه كالحر المسلم ، ولأن كل ما خرج به الزوج من قذفه إذا كان من أهل الشهادة خرج به من القذف إن لم يكن معه أهل الشهادة كالبينة ، ولأنه ما وقعت به الفرقة بين الزوجين المسلمين وقعت به الفرقة بين الكافرين والمملوكين كالطلاق ، وأما الجواب عن استدلالهم في أنه شهادة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ، فمن وجهين :
أحدهما : أنه لما أضاف الشهادة إلى نفسه خرجت من حكم الشهادات ؛ لأنه لا يصح أن يشهد لنفسه .
والثاني : أنه وإن كان بلفظ الاستثناء ، فمن حكم الاستثناء أن يكون مخالفا لحكم المستثنى منه .
[ ص: 14 ] أما الجواب عن استدلاله منهما بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله فمن وجهين :
أحدهما : أنه قد يعبر عن اليمين بالشهادة ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله [ المنافقون : 1 ، 2 ] إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=2اتخذوا أيمانهم جنة فعبر عن أيمانهم بالشهادة .
والثاني : أنه لما سلب لفظ الشهادة في هذا الموضع حكم الشهادات وأجري عليه حكم الأيمان من أربعة أوجه :
أحدهما : أنه أثبت قوله في حق نفسه .
والثاني : أنه أوجب عليه تكرار لفظه .
والثالث : أنه قرنه باللعان والغضب .
والرابع : أنه وصله بذكر الله ، في قوله : أشهد بالله ، دل على أنه يمين بلفظ الشهادة .
وأما الجواب عن قولهم : إن ما لم يصح إلا بلفظة الشهادة كان شهادة ، فهو أن أصحابنا قد اختلفوا في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=12254اللعان بغير لفظ الشهادة على وجهين :
أحدهما : يجوز أن يقول : أحلف بالله ، وأقسم بالله ، وأولي بالله . كما يقول : أشهد بالله - لأن هذا صريح في اليمين فكان أولى بالجواز ، فعلى هذا يسقط الاستدلال .
والوجه الثاني : لا يجوز إلا بلفظ الشهادة على ما جاء به النص ؛ لأن حكمه مأخوذ منه ، فعلى هذا يكون الجواب متوجها ، وهو أنه لما قرن لفظ الشهادة بذكر الله خرج عن حكم الشهادات المجردة عن ذكر الله ، وألحق بالأيمان المضافة إلى اسم الله .
وأما الجواب عن قولهم : إنه قد يرفع حكم القذف كالبينة ، فهو أن الإقرار قد يرفع حكم القذف ولا يكون بينة .
وأما الجواب عن استدلالهم في الفصل الثاني بحديث
عمرو بن شعيب فمن ثلاثة أوجه :
أحدهما : أن
أبا يحيى الساجي قال : هذا حديث لا يثبته أصحاب الحديث ، وإذا قال إمام من أصحاب الحديث هذا ، سقط الاحتجاج به .
والثاني : أنه مرسل ، وليست المراسيل عندنا حجة ، وذلك أن
عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وجده الأدنى ليس له صحبة ورواية ، فإذا روى
عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده كان الظاهر أنه عن
محمد بن عبد الله لأنه جده الأدنى ، فمن هذا الوجه صار مرسلا لا يلزم الاحتجاج به .
[ ص: 15 ] والثالث : أننا نسلم الحديث ، ونحمل قوله :
لا لعان بين أربع ، إلا عند حاكم ، فإن قيل : فغيرهم لا يجوز لعانه إلا عند الحاكم ، فما فائدة التخصص ؟
قيل : فائدته أنه يجوز أن يتوهم فيهم - لنقصهم بالكفر والرق - جواز
nindex.php?page=treesubj&link=12234_12235لعان العبد عند سيده ،
nindex.php?page=treesubj&link=12244_12245ولعان الكافر في أهل دينه ، فنفى النص هذا التوهم ، على أن
أبا إسحاق المروزي قال : لو صح الحديث وجب المصير إليه والقول به ، غير أنه لم يصح .
وأما الجواب عن قياسهم على الصغيرة : فهو أن للصغيرة حالتين : حالة يمكن وطؤها ، فاللعان فيها يصح ويكون موقوفا على بلوغها ، لأن قذفها بالزنا يمكن أن يكون صدقا ، ويمكن أن يكون كذبا .
والحال الثانية : أن تكون صغيرة لا يمكن وطء مثلها ، فالقذف هنا مستحيل للعلم بكذبه ، فخرج عن القذف المحتمل للصدق والكذب ، فإذا استحال صدقه لم يجز أن يقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين كمن يجوز صدقه ، فلم يجز الجمع بين متنافيين .
أما الجواب عن قولهم : إن اللعان بين الزوجين كالحد في حق الأجانب ؛ فهو أنه غير مسلم ، بل لعان الزوج يمين في حق نفسه في سقوط حد القذف عنه ؛ وكالشهادة في حق الزوجة لوجوب حد الزنا عليها ، والشهادة تسمع على الكافرة والمملوكة ، فكذا اللعان .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : " وَلَمَّا لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ أَحَدًا مِنَ الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ سُنَّةٌ وَلَا إِجْمَاعٌ كَانَ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ جَازَ طَلَاقُهُ وَلَزِمَهُ الْفَرْضُ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ زَوْجَةٍ لَزِمَهَا الْفَرْضُ ، وَلِعَانُهُمْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فِيهِ وَالْفُرْقَةُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ ، وَتَخْتَلِفُ الْحُدُودُ لِمَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَعَلَيْهِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ .
nindex.php?page=treesubj&link=12245_12244_12246_12247_12235_12236_12237_12248اللِّعَانُ يَمِينٌ تَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صَحَّ طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ ، وَمَعَ كُلِّ زَوْجَةٍ صَحَّ مِنْهَا فِعْلُ الزِّنَا ، سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخِرُ كَافِرًا ، وَسَوَاءٌ كَانَا حُرَّيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ ، أَوْ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ مَمْلُوكًا ، وَسَوَاءٌ كَانَا عَفِيفَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ أَوْ أَحَدُهُمَا عَفِيفًا وَالْآخَرُ مَحْدُودًا ، وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعَيْنِ :
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ،
وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ،
وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ . وَمِنَ الْفُقَهَاءِ :
رَبِيعَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ،
وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ،
وَابْنُ شُبْرُمَةَ ،
وَأَحْمَدُ ،
وَإِسْحَاقُ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ، وَصَاحِبَاهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=12244_12248_12234اللِّعَانُ شَهَادَةٌ لَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ ، عَفِيفَيْنِ ، فَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا ، أَوْ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا ، أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ أَوْ أَحَدُهُمَا ، لَمْ يَصِحَّ لِعَانُهُ .
وَبِهِ قَالَ
الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ [ النُّورِ : 6 ] فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ .
فَاسْتَثْنَاهُمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ بِأَنْ جَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْجُمْلَةِ دَاخِلٌ فِي جِنْسِهَا .
[ ص: 13 ] وَالثَّانِي : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَعَلَّقَ عَلَيْهِ عَدَدَ الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا ، فَدَلَّ اللَّفْظُ وَالْعَدَدُ عَلَى أَنَّهُ شَهَادَةٌ . وَقَالَ : وَلِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إِلَّا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَكَانَ شَهَادَةً اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الشَّهَادَاتِ ، قَالَ : وَلِأَنَّهُ رَفْعُ حُكْمِ الْقَذْفِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَهَادَةً كَالْبَيِّنَةِ ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ مَحْدُودًا . بِرِوَايَةِ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924200nindex.php?page=treesubj&link=12237_12236_12246_12247أَرْبَعٌ مِنَ النِّسَاءِ لَا لِعَانَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ : النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ تَحْتَ مُسْلِمَيْنِ ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ حُرٍّ قَالُوا : هَذَا نَصٌّ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَكْمُلِ الْحَدُّ بِقَذْفِهَا لَمْ يَصِحَّ اللِّعَانُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا كَالصَّغِيرَةِ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ اللِّعَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ كَالْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ ، فَلَمَّا لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ إِلَّا بِقَذْفِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ لَمْ يَصْحَّ اللِّعَانُ إِلَّا مِنْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=12190وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ وَلَيْسَ شَهَادَةً : مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي زَوْجَةِ
هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ جَاءَتْ بِوَلَدِهَا عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924201لَوْلَا مَا مَضَى مِنَ الْأَيْمَانِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ فَسَمَّى اللِّعَانَ يَمِينًا ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَحْلِفَ لَهَا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ يُلَاعِنُ عَنْ حَقٍّ لِنَفْسِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَهَادَةً لَمَا لَزِمَ تَكْرَارُهُ أَرْبَعًا ؛ لَأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُكَرَّرُ ، وَالْأَيْمَانَ قَدْ تُكَرَّرُ ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَتَضَمَّنُهَا لَعْنٌ وَلَا غَضَبٌ ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُسَاوِي الرَّجُلَ فِي الشَّهَادَةِ وَتُسَاوِيهِ فِي الْأَيْمَانِ ، وَهِيَ فِي اللِّعَانِ مُسَاوِيَةٌ لِلرَّجُلِ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ يَمِينٌ ، وَلِأَنَّ لَفْظَ اللِّعَانِ أَنْ يَقُولَ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَ الْإِنْسَانِ فِي غَيْرِ اللِّعَانِ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ ، أَنَّهُ يَمِينٌ ، فَكَذَلِكَ فِي اللِّعَانِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَهَادَةً لَمَا صَحَّ لِعَانُ الْفَاسِقَيْنِ ، وَلَا مِنَ الْأَعْمَيَيْنِ التَّحَصُّنُ وَقَدْ وَافَقَ عَلَى صِحَّةِ لِعَانِ هَذَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ مِنَ الْكَافِرَيْنِ وَالْمَمْلُوكَيْنِ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ [ النُّورِ : 6 ] وَلَمْ يُفَرِّقْ ، وَلِأَنَّ كُلَّ زَوْجٍ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ لِعَانُهُ كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ بِهِ الزَّوْجُ مِنْ قَذْفِهِ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ خَرَجَ بِهِ مِنَ الْقَذْفِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ كَالْبَيِّنَةِ ، وَلِأَنَّهُ مَا وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ وَالْمَمْلُوكَيْنِ كَالطَّلَاقِ ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ فِي أَنَّهُ شَهَادَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الشَّهَادَةَ إِلَى نَفْسِهِ خَرَجَتْ مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ لِنَفْسِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ ، فَمِنْ حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ .
[ ص: 14 ] أَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الْيَمِينِ بِالشَّهَادَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [ الْمُنَافِقُونَ : 1 ، 2 ] إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=2اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَعَبَّرَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ بِالشَّهَادَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا سُلِبَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حُكْمَ الشَّهَادَاتِ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكِمُ الْأَيْمَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَثْبَتَ قَوْلَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ تَكْرَارَ لَفْظِهِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ قَرَنَهُ بِاللِّعَانِ وَالْغَضَبِ .
وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ وَصَلَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ ، فِي قَوْلِهِ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : إِنَّ مَا لَمْ يَصِحَّ إِلَّا بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ كَانَ شَهَادَةً ، فَهُوَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=12254اللِّعَانِ بِغَيْرِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : أَحْلِفُ بِاللَّهِ ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ ، وَأُولِي بِاللَّهِ . كَمَا يَقُولُ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ - لِأَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي الْيَمِينِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَجُوزُ إِلَّا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجَوَابُ مُتَوَجِّهًا ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا قَرَنَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الشَّهَادَاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، وَأُلْحِقَ بِالْأَيْمَانِ الْمُضَافَةِ إِلَى اسْمِ اللَّهِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : إِنَّهُ قَدْ يَرْفَعُ حُكْمَ الْقَذْفِ كَالْبَيِّنَةِ ، فَهُوَ أَنَّ الْإِقْرَارَ قَدْ يَرْفَعُ حُكْمَ الْقَذْفِ وَلَا يَكُونُ بَيِّنَةً .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي بِحَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
أَبَا يَحْيَى السَّاجِيَّ قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ لَا يُثْبِتُهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ ، وَإِذَا قَالَ إِمَامٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ هَذَا ، سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مُرْسَلٌ ، وَلَيْسَتِ الْمَرَاسِيلُ عِنْدَنَا حُجَّةً ، وَذَلِكَ أَنَّ
عَمْرَو بْنَ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَجَدَّهُ الْأَدْنَى لَيْسَ لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ ، فَإِذَا رَوَى
عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ جَدُّهُ الْأَدْنَى ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ مُرْسَلًا لَا يَلْزَمُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ .
[ ص: 15 ] وَالثَّالِثُ : أَنَّنَا نُسَلِّمُ الْحَدِيثَ ، وَنَحْمِلُ قَوْلَهُ :
لَا لِعَانَ بَيْنَ أَرْبَعٍ ، إِلَّا عِنْدَ حَاكِمٍ ، فَإِنْ قِيلَ : فَغَيْرُهُمْ لَا يَجُوزُ لِعَانُهُ إِلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ ، فَمَا فَائِدَةُ التَّخَصُّصِ ؟
قِيلَ : فَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ فِيهِمْ - لِنَقْصِهِمْ بِالْكُفْرِ وَالرِّقِّ - جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=12234_12235لِعَانِ الْعَبْدِ عِنْدَ سَيِّدِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=12244_12245وَلِعَانِ الْكَافِرِ فِي أَهْلِ دِينِهِ ، فَنَفَى النَّصُّ هَذَا التَّوَهُّمَ ، عَلَى أَنَّ
أَبَا إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيَّ قَالَ : لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَالْقَوْلُ بِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّغِيرَةِ : فَهُوَ أَنَّ لِلصَّغِيرَةِ حَالَتَيْنِ : حَالَةٌ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا ، فَاللِّعَانُ فِيهَا يَصِحُّ وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى بُلُوغِهَا ، لِأَنَّ قَذْفَهَا بِالزِّنَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا .
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا يُمْكِنُ وَطْءُ مِثْلِهَا ، فَالْقَذْفُ هُنَا مُسْتَحِيلٌ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ ، فَخَرَجَ عَنِ الْقَذْفِ الْمُحْتَمِلِ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ ، فَإِذَا اسْتَحَالَ صِدْقُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُولَ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ كَمَنْ يَجُوزُ صِدْقُهُ ، فَلَمْ يَجُزِ الْجَمْعُ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ .
أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : إِنَّ اللِّعَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ كَالْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ ؛ فَهُوَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، بَلْ لِعَانُ الزَّوْجِ يَمِينٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ ؛ وَكَالشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لِوُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا ، وَالشَّهَادَةُ تُسْمَعُ عَلَى الْكَافِرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ ، فَكَذَا اللِّعَانُ .