مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم إلى قوله : قال الله تعالى : أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين " .
قال الماوردي : وجملة القذف أنه لا يخلو أن يكون من زوج ، أو من غير زوج ، فإن كان من غير زوج فتعلق بقذفه ثلاثة أحكام ، وجوب الحد عليه ، وهو ثمانون جلدة إن كان حرا ، ورد شهادته ، وثبوت فسقه ، ولا تنتفي عنه أحكام القذف إلا بأحد أمرين : إما بتصديقها ، وإما بإقامة البينة على زناها بأربعة شهود يصفون مشاهدة زناها ، فيسقط عنه الحد ويزول فسقه .
[ ص: 6 ] وأصل ذلك قوله تعالى : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم [ النور : 4 ] .
وإن تعلق بقذفه ما ذكرنا من الأحكام الثلاثة : الحد ، ورد الشهادة ، والتفسيق ، فيصير مشاركا للأجنبي فيما يجب عليه بقذفها ، وله إسقاط ذلك عن نفسه بثلاثة أشياء ، يشارك الأجنبي في اثنين منها ، ويختص بالثالث ، فأما الاثنان المساوي للأجنبي فيهما : كان القاذف زوجا
أحدهما : تصديقها له .
والثاني : إقامة البينة على زناها . فيسقط عنه بكل من هذين الحكمين الأحكام الثلاثة . فأما الثالث الذي يختص به لأجل الزوجية : فهو اللعان لما قدمناه من القرآن الوارد فيه مما يسقط به وجوب الحد ، فأما ارتفاع الفسق فمعتبر بحالها ، فإن لم تلاعن بعد وحدت ارتفع عنه الفسق ، لأن لعانه قد صار كالبينة عليها في وجوب الحد . وإن احتمل ارتفاع فسقه وجهين : لاعنت ولم تحد
أحدهما : قد ارتفع فسقه ؛ لأنه كالبينة في حقه لسقوط حده .
والوجه الثاني : لا يرتفع فسقه ؛ لأن لعانها معارض للعانه ، وهو مانع من وجوب حدها به ، فإن قيل : لم اختص الزوج بالقذف دون الأجنبي ؟ قيل : لأن الزوج مضطر إلى إزالة المعرة عن فراشه ونفي النسب الذي ليس منه ، فصار معذورا في القذف ، فجاز أن يجعل له من نفيه سبيل إلى سقوط الحد ورفع المعرة ونفي النسب ، وليس الأجنبي مضطرا ، فلم يكن في القذف معذورا فصار أغلظ حكما .