فصل : فإذا تقرر أنه مخير فيهما فقد مضى الكلام في صفة الطلاق ، وأنه رجعي ، فإن زاد على الواحدة كان متطوعا بها .
وأما الفيئة فهي الجماع لأن الرجوع إلى ما فارق ، قال الله تعالى الفيء في اللغة حتى تفيء إلى أمر الله [ الحجرات : 9 ] أي ترجع إلى طاعة الله ، وهو بالإيلاء ممتنع من الجماع فكانت الفيئة الرجوع إليه ، وإذا كانت الفيئة الرجوع إلى الجماع فلا يخلو حاله من أن يكون قادرا عليه أو عاجزا عنه فإن كان قادرا عليه لم يكن فايئا إلا بجماع ، وأقله ما ذكرناه من التقاء الختانين ، وإن كان عاجزا عنه لعذر من مرض أو غيره لزمه أن يفيء فيء معذور بلسانه ، وهو أن يقول لست أقدر على الوطء ولو قدرت عليه لفعلته ، وإذا قدرت عليه فعلته فيقوم فيئه بلسانه في حال عذره في إسقاط المطالبة مقام فيئته . بوطئه .
وقال أبو ثور : لا يلزمه الفيئة باللسان حتى يقدر عليها بالوطء ، وتؤخر المطالبة إلى زوال العذر استدلالا بأمرين :
أحدهما : أنه لو لزمه في حال العذر أن يفيء بلسانه لما لزمه الفيئة بالوطء بعد زوال عذره لسقوط الحق بما تقدم .
[ ص: 387 ] والثاني : أنه لو قام مقام الوطء في سقوط المطالبة لقام مقامه في وجوب الكفارة .
ودليلنا : قول الله تعالى : فإن الله غفور رحيم [ البقرة : 226 ] والفيئة الرجوع ، ولم يفرق بين رجوع بالقول أو رجوع بالفعل ؟ ولأن وسكون النفس إلى زواله بها وقد يرتفع الضرر وتسكن النفس بقول العاجز كما يرتفع بفعل القادر ولأن الفيئة ترفع الضرر كالشفعة ثم ثبت أن المطالبة بها مع القدرة على أحدهما يكون بالفعل وهو دفع الثمن وانتزاع المبيع فإن عجز عنها كانت المطالبة فيها بالقول وهو الإشهاد على نفسه بالطلب كذلك الفيئة في الإيلاء . الفيئة تراد لدفع الضرر بالإيلاء
فأما استدلال أبي ثور بأن المطالبة لو سقطت بفيء اللسان لما وجبت لزوال العذر ، ففاسد بالمطالبة بالشفعة تكون بالقول مع العجز ولا يسقط حق الطلب بالفعل عند زوال العذر ونحن أوجبنا عليه عند عدم الماء والتراب أن يصلي ، ولا تسقط الصلاة إذا قدر على الماء إحدى الطهارتين .
وأما استدلاله بأنه لما لم تجب به الكفارة لم تسقط به المطالبة ففاسد ، لأن الفيئة غير معتبرة بوجوب بالكفارة ألا ترى أن المجنون يفيء فتسقط المطالبة وتصح الفيئة ولا تجب عليه الكفارة .