فصل : ولو فلا يعتبر الفور في مشيئة زيد ، بخلاف مشيئتها ، لأنه إذا علق ذلك بمشيئتها كان فيه تمليك فروعي فيه الفور ، وإذا علق بمشيئة غيرها لم يكن فيه تمليك ، فلم يراعى فيه الفور ، فمتى قال زيد قد شئت على الفور أو التراخي انعقد الإيلاء ، وإن قال لست أشأ لم ينعقد ، وإن مات ولم تعلم مشيئته لم ينعقد الإيلاء لأن الأصل أن لا مشيئة والله تعالى أعلم . قال : والله لا أقربك إن شاء زيد ،
مسألة قال الشافعي رضي الله عنه : " سواء لما يكون اليمين في الغضب والرضا سواء وقد أنزل الله تعالى الإيلاء مطلقا " . والإيلاء في الغضب والرضا
قال الماوردي : الإيلاء في الغضب والرضا سواء ، وبه قال أبو حنيفة .
وقال مالك : لا يكون موليا إلا في الغضب دون الرضا وحكى نحوه عن علي وابن عباس رضي الله عنهما : لأن قصد الإضرار إنما يكون في الغضب ، فكان الغضب فيه شرطا ، وهذا فاسد لعموم قوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر [ البقرة : 226 ] ولم يفرق ، لأنها يمين بالله تعالى فاستوى فيها حال الغضب والرضا كسائر الأيمان ، ولأن كل حال انعقدت فيها اليمين في غير الإيلاء انعقدت فيها يمين الإيلاء كالغضب .
فأما قصد الإضرار فلا يراعى فيها وإنما يراعى وجوده دون قصده ، وقد وجد في الرضا كوجوده في الغضب وإن لم يقصد .
مسألة قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو لم يكن موليا لأنه قد يقدر على أن يخرجها قبل انقضاء الأربعة الأشهر ولا يجبر على إخراجها " . قال والله لا أقربك حتى أخرجك من هذا البلد
قال الماوردي : وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم من التقسيم فإذا حلف أن لا يقربها حتى يخرجها من البلد لم يكن موليا لأنه يقدر على إخراجها متى شاء ، ويقربها من غير حنث ، فصار كقوله : لا أقربك في هذه الدار ، فلا يكون موليا لأنه يقدر على إخراجها وإصابتها من غير حنث ، فإن قيل فهلا كان موليا وإن قدر على إخراجها كما لو حلف بعتق عبده أن لا يقربها كان موليا ، وإن قدر على بيع عبده فلا يعتق بوطئها ثم [ ص: 373 ] يبتاعه إن شاء ، قيل الظاهر من الأملاك اقتناؤها واستيفاؤها ، وفي بيعها ضرر ، وفي تمليك الغير لها أسف ، وفي استرجاعها تعذر ، فصار الضرر متوجها عليه في بيع العبد كتوجهه في عتقه ، وليس كذلك إخراجها من البلد ، لأنه لا ضرر عليه ، وربما كان فيه نزهة ، وفي إخراجها إلى ظاهر البلد ، فافترقا ، فلو قال لا أقربك حتى أخرجك إلى بلد كذا ، فإن كان البلد الذي حلف أن يخرجها إليه على مسافة أكثر من مسافة أربعة أشهر كان موليا ، وإن كان على أقل من ذلك لم يكن موليا ، فلو قال : لا أقربك حتى أهب عبدي كان موليا لأن في هبته إدخال ضرر عليه فصار كقوله لا أقربك حتى أعتق عبدي ، فاستويا في الضرر بزوال الملك ، وإن كانت الهبة أضر لعدم الثواب فيها ، ولو ففي إيلائه وجهان : قال : والله لا أقربك حتى أبيع عبدي
أحدهما : يكون موليا لتعليق ذلك بزوال ملكه عنه ، فصار الضرر ببيعه داخلا عليه .
والوجه الثاني : لا يكون موليا ؟ لأن الثمن الذي في مقابلته يمنع من دخول ضرر عليه ، وربما وجد فيه أكثر من قيمته ، ولو قيل إن كان هذا العبد للتجارة لم يكن موليا لبيعه ، وإن كان للفيئة كان موليا ببيعه ، كان له وجه : لأن بيع مال التجارة مفيد ، وبيع مال الفيئة مضر ، فيكون ذلك وجها ثالثا - والله أعلم .