مسألة : قال الشافعي : " بعد معرفة اختلافهما " . ولو فوضا مع الخلع والفرقة إلى الحكمين الأخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان على الحكمين الاجتهاد فيما يريانه أنه صلاح لهما
قال الماوردي : والكلام في هذه المسألة يشتمل على فصلين :
أحدهما : على ما يتم به ولاية الحكمين .
والثاني : . ما يجوز أن يفعله الحكمان ، وما لا يجوز لهما فعله
فأما الفصل الأول فيما يتم به ولاية الحكمين فهو معتبر باختلاف القولين فيهما .
فإن قلنا : إنهما حكمان تمت ولايتهما بتقليد الحاكم لهما ، ولا يعتبر فيهما إذن الزوجين ولا رضاهما ، لكان لا بد للحاكم أن يعين كل واحد من الحكمين أن يكون مختصا بأحد الزوجين ، فإن لم يعينه لم يجز ؛ لأن كل واحد منهما ينوب عن أحد الزوجين في استيفاء حقه من الآخر ، والنظر في مصلحته ثم يرد إليهما ما رأياه صلاحا من إصلاح أو طلاق أو خلع ، فإن أراد بعد تحكيمهما أن يستبدل بهما غيرهما ، فإن كان لتغير حالهما أو لوجود من هو أولى منهما جاز ، وإن لم يكن لتغير حال ولا لوجود من هو أولى لم يجز ، ولو اعتزل الحكمان جاز ، وما يستحب ذلك لهما إلا أن يكون لعجز منهما أو لاشتباه الأصلح عليهما ، وليس لهما بعد أن عزلا أو اعتزلا أن يحكما عليهما بشيء ، فإن [ ص: 606 ] حكما لم ينفذ حكمهما ، وإن قلت إن الحكمين وكيلان ، لم يتم ولايتهما إلا بتوكيل الزوجين إلى إذن الحاكم ، وإنما افتقرا مع توكيل الزوجين إلى إذن الحاكم لهما ؛ لأن له مع الوكالة ولاية لا تصح إلا بالحاكم ، وإذا كان كذلك احتاج كل واحد من الزوجين أن ينفرد بتوكيل الحكم الذي ينوب عنه ، فيأذن الزوج لحكمه في الطلاق وعدده ، وفي الخلع ومقداره ، ولا يكتفي في الإذن بالطلاق عن الإذن في الخلع لأن الخلع يسقط الرجعة فلا يفعل ذلك إلا بإذن مستحقيها ، وتأذن الزوجة لحكمها أن يخالع عنها من مالها بما تقدره له أو تعينه ، ثم يأذن الحاكم للحكمين بعد توكيل الزوجين في فعل ما وكلا فيه وإمضائه ، فيكون التوكيل من الزوجين ، والولاية من الحاكم .