وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : كنا معاشر قريش يغلب رجالنا نساءنا ، وكان الرجل منا بمكة معه هراوة إذا ترمرمت عليه امرأته هراها بها ، فقدمنا هذين الحيين الأوس والخزرج ، فوجدنا رجالا مغانم لنسائهم يغلب نساؤهم رجالهم ، فاختلط نساؤنا بنسائهم فذئرن ، فقلت : يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن ، فأذن في ضربهن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاضربوهن ، قال : فضرب الناس نساءهم تلك الليلة ، قال : فأتى نساء كثير يشتكين الضرب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد أطاف بآل محمد الليلة سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن ، ولا تجدون أولئك خياركم ، وفي قول عمر ذئر النساء على أزواجهن تأويلان :
أحدهما : أنه البطر والأشرة .
والثاني : أنه البذاء والاستطابة ، قال الشاعر :
لما أتاني عن تميم أنهم ذئروا لقتلى عامر وتغضبوا
[ ص: 600 ] وهذا الخبر مخالف للخبر المتقدم ، وإن كان موافقا للآية .فإن قيل : فكيف يترتب هذان الخبران مع الآية ، وليس بصحيح على مذهب الشافعي أن ينسخ القرآن السنة ، فلأصحابنا عن ذلك ثلاثة أجوبة :
أحدها : أن ما جاءت به الآية والخبر من إباحة الضرب فوارد في النشوز ، وما ورد به الخبر الآخر من النهي عن الضرب ففي غير النشوز ، فأباح الضرب مع وجود سببه ، ونهى عنه مع ارتفاع سببه ، وهذا متفق لا يعارض بعضه بعضا .
والثاني : أنه أباح الضرب جوازا ، ونهى عنه اختيارا ، فيكون الضرب وإن كان مباحا بالإذن فيه ، فتركه أولى للنهي عنه ، ولا يكون ذلك متنافيا ولا ناسخا ومنسوخا .
والثالث : أن خبر النهي عن الضرب منسوخ بخبر عمر الوارد بإباحته ، ثم جاءت الآية مبينة لسبب الإباحة ، فكانت السنة ناسخة للسنة ، والكتاب مبينا ولم ينسخ الكتاب السنة ، والله أعلم .