مسألة : قال الشافعي : " وليس له أن يسكن المرأتين في بيت إلا أن تشاءا " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، قال : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك في نسائه ، وكما لا يشتركن في النفقة ، فكذلك لا يشتركن في المسكن ، ولأن بين الضرائر تنافسا وتباغضا إن اجتمعن خرجن إلى الافتراء والقبح ، ولأنهن إذا اجتمعن شاهدت كل واحدة منهن خلوة الزوج بضرتها ، وذلك مكروه ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه على الزوج أن يفرد لكل واحدة من نسائه مسكنا ؛ نهى عن الوجر ، وهو أن يطأ بحيث يسمع حسه ، فلذلك لزمه أن يفرد لكل واحدة منهن مسكنا ، فإن أسكنهن في دار واحدة ، وأفرد لكل واحدة منهن بيتا منها ، وكانت إذا دخلت توارت عن ضرائرها ، جاز إذا كان مثلهن بسكن [ ص: 584 ] مثل ذلك ، ولم يكن لواحدة منهن أن تطالبه بإفراد مسكن ، وإن كان مثلهن لا يسكن مثل ذلك ، فأسكنهن في دار واحدة ، وأفرد كل واحد منهن بحجرة منها تواريها ، جاز إذا كان مثلهن يسكن مثل ذلك .
وإن كان مثلهن لا يسكن مثل ذلك ؛ لجلالة قدرهن ويسار زوجهن أفرد كل واحدة منهن بدار فسيحة ذات بيوت ومنازل ، اعتبارا بالعرف ، كما يعتبر العرف في كسوتهن ونفقاتهن ، فلو تراضى جميع نسائه بسكنى منزل واحد يجتمعن فيه ، جاز كما لو تراضين بالاشتراك في النفقة ، ولم يكن له أن يخلو بواحدة منهن حذاء ضرائرها ، فإن غاب عن أبصارهن جاز ، وإن علمن بخلوته ، ولو أراد أن يجمع بين واحدة منهن ، وبين أمة له سرية لم يجز لأن حفصة - رضي الله تعالى عنها - أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلوته بمارية في بيتها ، فاعتذر إليها .
فإذا جمع بين إمائه في مسكن واحد جاز ، ولم يلزمه أن يفرد لكل واحدة منهن مسكنا ؛ لأنه لا قسم لهن ، ولا يلزمه الخلوة بهن ، ولأن ما يجب لهن من النفقة والكسوة والسكنى مواساة ، بخلاف الزوجات المستحقات لذلك معاوضة ، ألا تراه يملك فاضل نفقات إمائه ، ولا يملك فاضل نفقات نسائه .