مسألة : قال الشافعي : " فإن كان فيها المعصية من المسكر ، أو الخمر ، أو ما أشبهه من المعاصي الظاهرة ، نهاهم ، فإن نحوا ذلك عنه ، وإلا لم أحب له أن يجلس ، فإن علم ذلك عندهم لم أحب له أن يجيب " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا ، فلا يخلو أن يكون عالما به قبل حضوره أو غير عالم ، فإن علم به قبل حضوره ، فله حالتان : دعي إلى وليمة وفيها خمور أو ملاهي أو ما أشبه ذلك من المعاصي
أحدها : أن يقدر على إنكاره وإزالته ، فواجب عليه أن يحضر ؛ لأمرين :
أحدهما : لإجابة الداعي . والثاني : لإزالة المنكر .
[ ص: 563 ] والحال الثانية : ألا يقدر على إزالته ، ففرض الإجابة قد سقط ، وأولى ألا يحضر ، وفي جواز حضوره وجهان :
أحدهما - وهو الأظهر - : أنه لا يجوز لما في حضوره من مشاهدة المنكر والريبة الداخلة عليه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : . دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
والوجه الثاني : يجب له الحضور ، وإن كره له ؛ لأنه ربما أحشمهم حضوره ، فكفوا وأقصروا ، وقد حكي أن الحسن البصري ومحمد بن كعب القرظي دعيا إلى وليمة ، فسمعا منكرا ، فقام محمد لينصرف فجذبه الحسن ، وقال : اجلس ولا يمنعك معصيتهم من طاعتك .
وإن لم يعلم بما في الوليمة من المعاصي ، فعليه الإجابة ، ولا يكون خوفه منها عذرا في التأخير عنها ؛ لجواز ألا يكون ، فإن حضر ، وكانت بحيث لا يشاهدها ولا يسمعها أقام على حضوره ولم ينصرف ، وإن سمعها ولم يشاهدها لم يتعمد السماع ، وأقام على الحضور ؛ لأن الإنسان لو سمع في منزله معاصيا من دار غيره لم يلزمه الانتقال عن منزله ، كذلك هذا ، وإن شاهدها جاز له الانصراف ، ولم يلزمه الحضور إن لم ترفع ، وفي جواز إقامته مع حضورها إذا صرف طرفه عنها ما ذكرنا من الوجهين .