فصل : [ شروط الداعي ]
وإذا كانت الإجابة واجبة على ما وصفنا ، فلوجوبها شروط تعتبر في الداعي والمدعو :
فأما ، فستة شروط : الشروط المعتبرة في الداعي
أحدها : أن يكون بالغا ، يصح منه الإذن والتصرف في ماله ، فإن كان غير بالغ ، لم تلزم إجابته ، ولم يجز أيضا ؛ لبطلان إذنه ورد تصرفه .
والشرط الثاني : أن يكون عاقلا ؛ لأن المجنون لفقد تمييزه أسوأ حالا من الصغير في فساد إذنه ورد تصرفه .
والشرط الثالث : أن يكون رشيدا يجوز تصرفه في ماله ، فإن كان محجورا عليه لم تلزم إجابته ، فلو أذن له وليه لم تلزم إجابته أيضا ؛ لأن وليه مندوب لحفظ ماله لا لإتلافه .
والشرط الرابع : أن يكون حرا ؛ لأن العبد لا يجوز تصرفه ، فلم تلزم إجابته ؛ لفساد إذنه ، فلو أذن له سيده صار كالحر في لزوم إجابته .
والشرط الخامس : أن يكون مسلما ، تلزم موالاته في الدين ، فإن كان الداعي ذميا لمسلم ، ففي لزوم إجابته وجهان :
أحدهما : يجب ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " أجيبوا الداعي ، فإنه ملهوف " .
والوجه الثاني : لا تلزم إجابته ؛ لأنه ربما كان مستخبث الطعام محرما ، ولأن نفس المسلم تعاف كل طعامه ، ولأن مقصود الطعام التواصل به ، واختلاف الدين يمنع من تواصلهما ، فإن دعا مسلم ذميا لم تلزمه الإجابة ، وجها واحدا ؛ لأنه لا يلتزم أحكام شرعنا إلا عن تراض .
[ ص: 559 ] والشرط السادس : أن يصرح بالدعاء ، إما بقول أو مكاتبة أو مراسلة ؛ لأن العرف بجميع ذلك جار ، وصريح الدعاء أن يقول : أسألك الحضور ، أو يقول : أحب أن تحضر ، أو إن رأيت أن تجملني بالحضور ، فتلزمه إجابته بهذا القول كله .
فأما إن قال : إن شئت أن تحضر فافعل ، لم تلزمه إجابته .
قال الشافعي : " وما أحب أن يجيب " .
فإن كاتبه رقعة يسأله الحضور بأحد ما ذكرنا من الألفاظ لزمه الإجابة ، فإن نقصه في الخطاب لم يكن ذلك عذرا في التأخير ، وكذلك لو كان بينهما عداوة أو كان في الوليمة عدو ، لم يكن معذورا في التأخير ، وإن راسله برسول وقع في نفسه وصدقه ، لزمته الإجابة سواء كان حرا أو عبدا ، فإن كان غير بالغ نظر فيه ، فإن كان مميزا لزمته الإجابة بوروده في الرسالة ، وإن كان غير مميز لم يلزم ؛ لأنه لا يحصل ما يقول ، ولا العادة جارية أن يكون مثله رسولا ، فإن قال الداعي لرسوله : ادع من رأيت من غير أن يعين له على أحد ، لم يلزم من دعاه الرسول أن يجيب ؛ لأنه قد يرى أن يدعو من غيره أحب إلى صاحب الطعام .