فصل : لم يجز أن يزوج قبل سؤاله واختياره ، فإن تزوج رجلا كان النكاح باطلا : لجواز أن يكون رجلا ، فإن بان امرأة لم يصح لتقدم فساده ، وإن زوج امرأة كان النكاح باطلا : لجواز أن يكون امرأة ، فإن بان رجلا لم يصح لتقدم فساده ، وإذا كان كذلك ولم يبق ما يعتبر من أحواله غير سؤاله عن طباعه الجاذبة له إلى [ ص: 384 ] أحد الجنسين سئل عنها للضرورة الداعية إليها ، كما تسأل المرأة عن حيضها فيرجع فيه إلى قولها ، فإن قال : أرى طبعي يحدثني إلى طبع النساء ، وينفر من طبع الرجال عمل على ما أخبر به من طبعه في أصل الخلقة لا على ما يظهر من تأنيث كلامه أو تذكيره : لأن في الرجال قد يكون مؤنثا يتكلم بكلام النساء ، والمرأة قد تكون مذكرة تتكلم بكلام الرجال . وإذا كان على إشكاله
قال : ولا يعمل على ما يشتهيه ، فإن الرجل قد يشتهي الرجل ، والمرأة قد تشتهي المرأة ، وإنما الطباع المذكورة في أصل الخلقة ، والقائمة في نفس الجبلة النافرة مما اعتادتها بغير تصنع هي المعتبرة ، ويكون قوله فيها هو المقبول إذ قد عدم الاستدلال بغير قوله كالمرأة التي تقبل قولها في حيضها وطهرها ، وإذا كان كذلك قيل له : أخبرنا عن طبعك ، فإذا قال : يجذبني إلى طباع النساء ، قبل قوله بغير يمين : لأنه ليس فيه حق لغيره فيحلف عليه : ولأنه لو رجع لم تقبل منه ، وحكم بأنه امرأة وزوج رجلا ، فإن عاد بعد ذلك فقال : قد استمال طبعي إلى طباع الرجال لم يقبل منه ، وكان على الحكم بما تقدم من كونه امرأة ، وعقد النكاح على صحته ، فله الخيار هاهنا قولا واحدا : لأن الإشكال لم يزل إلا بقوله الذي يجوز أن تكون فيه كما ذكرنا ، وكان أسوأ حالا ممن زال إشكاله بأسباب غير كاذبة ، ولو كان قد قال : هذا الخنثى حين سئل عما يجذبه طبعه إليه أرى طبعي يجذبني إلى طباع الرجال حكم بأنه رجل ، وقبل قوله في نكاحه ، وفيما أخبر به من جميع أحكامه ، وإذا علم الزوج بأنه خنثى ؟ على قولين : وهل يقبل قوله فيما أتهم فيه من ولايته وميراثه أم لا
أحدهما : لا يقبل منه : لتهمته فيه ، وحكاه الربيع عنه .
والقول الثاني - وهو المشهور في أكثر كتبه - : أنه يقبل منه : لأن أحكامه لا تتبعض فيجري عليه في بعضها أحكام الرجال ، وفي بعضها أحكام النساء ، وإذا جرى عليه حكم النساء في شيء أجري عليه أحكام النساء في كل شيء ، وإذا جرى عليه حكم الرجال في شيء أجرى عليه حكم الرجال في كل شيء ، وإذا حكم بأنه رجل زوج امرأة ، ولم يقبل منه الرجوع ، وإذا علمت المرأة بحاله ، فلها الخيار في فسخ نكاحه قولا واحدا ، والله أعلم بالصواب .