وقال الأعشى في النبي صلى الله عليه وسلم :
وسبح على حين العشيات والضحى ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
وقوله : حين تمسون يريد به المغرب ، والعشاء وحين تصبحون يريد الصبح ، وعشيا - يعني - صلاة العصر ، وحين تظهرون - يعني - صلاة الظهر فدلت هذه الآية على أوقات الصلوات الخمسوالآية الثانية : قوله تعالى : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود [ ق : 40 ] ، قوله : وسبح أي : وصل قبل طلوع الشمس - يعني - صلاة الصبح وقبل الغروب الظهر والعصر ومن الليل فسبحه - يعني - صلاة المغرب والعشاء الآخرة " وفي أدبار السجود " تأويلان :
أحدهما : أنهما ركعتان بعد صلاة المغرب ، وهذا قول مجاهد
[ ص: 6 ] والثاني : أنها النوافل في أدبار المكتوبات ، وهو قول عبد الرحمن بن زيد
والآية الثالثة : قوله تعالى : وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل [ هود : 114 ]
أما الطرف الأول من النهار ، فالمراد به : صلاة الصبح
وأما الطرف الثاني : فالمراد به على ما حكاه مجاهد : صلاة الظهر والعصر وزلفا من الليل روى الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها صلاة المغرب وعشاء الآخرة
ومعنى الزلف من الليل : الساعات التي يقرب بعضها من بعض ، كما قال العجاج :
طي الليالي زلفا وزلفا
الآية الرابعة قوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا [ الإسراء : 78 ] ، أما دلوك الشمس فهو ميلها وانتقالها ، وفيه تأويلان : أحدهما : إن المراد به غروبها ، وأنه عنى صلاة المغرب ، وهذا قول ابن مسعود ، وابن زيد ، استشهادا بقول الشاعر :هذا مقام قدمي رباح غدوة حتى دلكت براح
والتأويل الثاني : أن دلوك الشمس زوالها
وهو قول ابن عباس ، وأبي وجزة ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، وإليه ذهب الشافعي لرواية أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر أتاني
[ ص: 7 ] وأما غسق الليل ففيه تأويلان :
أحدهما : اجتماع الليل وظلمته . وهو قول ابن عباس
والثاني : إقباله ودبره . وهو قول ابن مسعود ، فالمراد به على التأويل الأول صلاة العشاء الآخرة ، وعلى التأويل الثاني صلاة المغرب
قلنا : قوله تعالى : وقرآن الفجر [ الإسراء : 178 ] . فيريد به صلاة الفجر ، وسماها ( قرآن الفجر ) لما يتضمنها من القراءة ، إن قرآن الفجر كان مشهودا . فروى أبو هريرة عن النبي أنه قال : وهذا دليل ، وزعم أن صلاة الصبح ليست من صلاة الليل ولا من صلاة النهار يشهد ملائكة الليل وملائكة النهار .
وأما الآية الخامسة : قوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين [ البقرة : 238 ] ، فهذه الآية وإن لم تدل على مواقيت الصلوات كلها ، ففيها حث على المحافظة عليها بأدائها في أوقاتها ، وذكر التي هي أوكد الصلوات ، واختلف الناس فيها على خمسة مذاهب : الصلاة الوسطى
أحدها : أن الصلاة الوسطى هي صلاة الصبح
وهذا قول ابن عباس ، وجابر ، وأبي موسى الأشعري لقوله : وقوموا لله قانتين . وأن القنوت في الصبح : ولأنها صلاة لا تجمع إلى غيرها في سفر ولا مطر لتأكدها عن غيرها من الصلوات : ولأنه يجتمع فيها ظلمة الليل وضوء النهار ، وتشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار
والمذهب الثاني : أنها صلاة الظهر ، وهو قول زيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر ، قال أبو عمرو : هي التي توجه منها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة ، وروى عروة عن زيد بن ثابت قال : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى . وقال : إن قبلها صلاة وبعدها صلاة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم تكن صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها . قال : فنزلت :
والمذهب الثالث : أنها صلاة العصر ، وهو قول علي ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي أيوب ، وعائشة ، وأم سلمة ، وحفصة ، وجمهور التابعين لرواية وأم حبيبة ، عبيدة السلماني عن علي قال : الخندق [ ص: 8 ] إلا بعد ما غربت الشمس . قال : ما لهم ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس وروى لم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر يوم ابن رافع عن حفصة ، أنها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت إلى مواقيت الصلاة ، فأخبرني . فلما أخبرها ، قالت : اكتب ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " وهي صلاة العصر وروى " أبو صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمذهب الرابع : أنها صلاة المغرب . وهو قول الصلاة الوسطى صلاة العصر قبيصة : لأنها وسط العدد ، ليست بأقلها ولا بأكثرها ، ولا تقصر في السفر ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها إلا وقتا واحدا لا تتقدم إليه ولا تتأخر عنه
والمذهب الخامس : أنها إحدى الصلوات الخمس ، ولا تعرف بعينها . وهو قول نافع ، وسعيد بن المسيب ، والربيع بن خيثم ، لأن إبهامها وترك تعيينها أحب على المبادرة لجميعها ، وأبعث على المحافظة على سائرها ، فكان أولى من التعيين المفضي إلى إهمال ما سواها ، فهذه مذاهب الناس في الصلاة الوسطى على اختلافها ، فأما مذهب الشافعي ، فالذي يصح عليه أنها صلاة الصبح استدلالا ، لكن مهما قلت قولا فخالفت فيه خبرا ، فأنا أول راجع عنه ، وقد وردت الأخبار نقلا صحيحا : بأنها صلاة العصر ، فصار مذهبه على الأصل الذي مهده ، أنها صلاة العصر دون ما نص عليه من الصبح ، ولا يكون ذلك على قولين كما وهم بعض أصحابنا ، فهذا ما ورد في كتاب الله تعالى وذكر فأما ما جاءت به السنة من تحديد أوقاتها أولا وآخرا واختيارا وجوازا مواقيت الصلاة ،
وروى الشافعي عن عمرو بن أبي سلمة ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن [ ص: 9 ] عبد الرحمن بن الحارث ، عن حكيم بن حكيم ، عن نافع ، عن جبر ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : جبريل عند باب الكعبة مرتين : فصلى الظهر حين كان الظل مثل الشراك ، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء بقدر ظله ، ثم صلى المغرب حين أفطر الصائم ، ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق ، ثم صلى الصبح حين حرم الطعام والشراب على الصائم ، ثم صلى المرة الآخرة الظهر حين كان ظل كل شيء قدر ظله دون العصر بالأمس الأول لم يؤخرها ، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلثا الليل ، ثم صلى الصبح حين أسفر ، ثم التفت فقال : يا محمد ، هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين أمني
فدلت هذه السنة على ما جاءت به من تحديد الأوقات