فصل : وأما الضرب الثاني من الأنساب وهي التي يتخللها وسيط في لحوقها واتصالها كالأخوة يصل الأب بين أنسابهم وكالجد الذي يصل الأب بينه وبين ابن الابن .
فإن كان الوسيط الواصل بين أنسابهم باقيا فلا اعتبار بإقرار من سواه وإن كان ميتا اعتبر إقرار جميع ورثته في ثبوت نسب المدعي من عصبته ، أو ذي فرض رحم ، وهل يعتبر فيه إقرار الزوج ، والزوجة أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو مذهب البغداديين يعتبر إقرارهما في لحوقه لاستحقاقهما الإرث كالمناسبين .
والوجه الثاني : وهو مذهب البصريين لا يعتبر إقرارهما في لحوقه ؛ لأنه لاحق لهما في النسب فلم يعتبروا إقرارهما بالنسب .
وعلى هذين الوجهين هل يراعى فيمن ادعى أنه أخ لأم تصديق الأخ للأب إذا كان وارثا ؟ وفيمن ادعى أنه أخ لأب هل يراعى تصديق الأخ للأم إذا كان وارثا ؟
فعلى مذهب البغداديين يراعى تصديقه في ثبوت النسب لكونه وارثا ، وعلى مذهب البصريين لا يراعى تصديقه ؛ لأنه لا نسب بينهما .
[ ص: 98 ] فإذا تقرر هذا فقد يكون بين أنساب المتداعيين وسيط واحد ، وقد يكون بينهما وسيطان ، وقد يكون بينهما ثلاثة وسائط ، وقد يكون بينهما أكثر ، فيستدل على حكمه بما تقدم .
فإن كان بينهما وسيط واحد فكالإخوة فإذا ادعى رجل إخوته وأنه ابن أبيهم فمن شرط صحة هذه الدعوى عليهم مع ما ذكرنا من شروط دعوى النسب أن يكون الأب ميتا ، ثم يكون لحوقه معتبرا بإقرار ورثة الأب كلهم . فإن كان الأب قد ترك ابنا واحدا فصدق المدعى على نسبه ثبت نسبه ، وإن ترك ابنين فصدقاه ثبت نسبه ، وإن صدقه أحدهما لم يثبت ، وإن ترك أبا وابنا فاجتمعا على تصديقه ثبت نسبه وإن صدقه أحدهما لم يثبت ، وإن ترك بنتا وأخا فاجتمعا على تصديقه ثبت نسبه وإن صدقه أحدهما لم يثبت ، وكذلك لو ترك بنتا وأخا وأختا ، ولو ثبت النسب ؛ لأن الأخ يحوز الميراث ولو ترك أخا واحدا فصدقه لم يثبت نسبه ؛ لأن الأخت ترث النصف ، ولا تحوز الميراث ، والباقي بعده لبيت المال قال ترك أختا واحدة فصدقته أبو حامد الإسفراييني رحمه الله فإن صدقه الإمام معها ثبت نسبه ؛ لأن الإمام في حق بيت المال نافذ الإقرار فصار إقراره مع الأخت إقرارا من جميع الورثة .
وهذا غير صحيح ؛ لأن الإمام لا يملك حق بيت المال فيثبت الإقرار ، ولا يتعين مستحقه من المسلمين فيراعى إقرارهم فيه فإن كان إقرار الإمام لبينة قامت عنده بنسبه فذلك حكم منه تثبت به النسب ، ولا يراعى فيه إقرار الأخت ، وإن كان بغير بينة قامت به فإقراره لغو ونسب المدعي غير ثابت ، ولو كان للأخت ولاء عتق على الميت فأقرت بالمدعي ثبت نسبه ؛ لأنها تحوز الميراث بالفرض ، والولاء .
وهكذا لأنها لا تحوز الميراث إلا أن يكون لها على الأب ولاء فيثبت النسب بإقرارها ؛ لأنها تحوز الميراث كله بالفرض ، والولاء . إقرار البنت إذا لم يكن معها ابن كإقرار الأخت إذا لم يكن معها أخ فلا يثبت النسب بإقرارها ؛
فلو كان الأب الميت مسلما وترك ابنين مسلما وكافرا فصدقه المسلم ثبت نسبه ؛ لأن الكافر غير وارث فلم يعتبر إقراره وسواء كان مدعي النسب مسلما ، أو كافرا فلو أسلم الابن الكافر بعد موت أبيه فأنكر المدعي لم ينتف نسبه ؛ لأنه لم يكن وارث أبيه فلم يؤثر إنكاره .
ولو كان الأب الميت كافرا وترك ابنين مسلما وكافرا فصدقه الابن الكافر ثبت نسبه ؛ لأنه وارث أبيه ولو صدقه المسلم لم يثبت نسبه ؛ لأنه ليس بوارث لأبيه .
وهكذا لو كان أحد الابنين حرا ، والآخر عبدا كان ثبوت النسب بإقرار الحر دون العبد ؛ لأن الحر وارث ، والعبد غير وارث ، وإن عتق العبد بعد موت الأب لم يعتبر تصديقه ، ولا إنكاره ؛ لأنه لم يكن وارثا . فلو كان أحد الابنين صغيرا ، أو معتوها فأقر البالغ العاقل منهما بنسب [ ص: 99 ] المدعي لم يثبت نسبه ؛ لأنه أحد الوارثين حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه فيقر به فيثبت نسبه ، وهل يجب أن نوقف حصة المقر به من حصة المقر أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : لا توقف كما في حصة الصغير ؛ لأن النسب لم يثبت .
والوجه الثاني : يوقف منه قدر حصته اعتبارا بصحة إقراره ما لم يبطل بإنكار أخيه .
فإن مات الصغير ، أو المعتوه قبل البلوغ ، أو الإفاقة روعي إقرار وارثه فإن كان وارثه الأخ المقر ثبت نسب المدعي بالإقرار السابق ، ولا يفتقر إلى إقرار ثان بعد موت الصغير ، والمعتوه . فلو ترك ابنين بالغين عاقلين فصدقه أحدهما وكذبه الآخر لم يثبت نسبه فإن مات المكذب فورثه المصدق ففي ثبوت نسبه وجهان :
أحدهما : قد ثبت نسبه ؛ لأن المصدق صار حائزا للإرث كله .
والوجه الثاني : لا يثبت ؛ لأن تكذيب شريكه في الميراث مبطل للدعوى فصار كتكذيب الأب في حياته يكون مبطلا لنسبه وإن كان أقر به الورثة بعده .