مسألة : قال المزني رضي الله عنه : " وإن وكله ببيع سلعة فباعها نسيئة كان له نقض البيع بعد أن يحلف ما وكله إلا بالنقد " .
قال الماوردي : وهذا كما قال وقد ذكرنا أن الوكيل ليس له أن يبيع بالنسيئة إلا بصريح إذن من موكله وأن إطلاق إذن الموكل يقتضي تعجيل الثمن بخلاف قول أبي حنيفة .
وإذا كان كذلك تعلقت هذه المسألة بأربعة فصول :
فالفصل الأول : أن يأذن له في بيعه بالنقد فيبيعه بالنسيئة .
والفصل الثاني : أن يأذن له في بيعه بالنسيئة فيبيعه بالنقد .
والفصل الثالث : أن يأذن له في الشراء بالنقد فيشتري بالنسيئة .
[ ص: 554 ] والفصل الرابع : أن يأذن له في الشراء بالنسيئة فيشتري بالنقد .
فأما الفصل الأول وهو أن فللوكيل والمشتري أربعة أحوال : يأذن له في البيع بالنقد فيبيع بالنسيئة
أحدها : أن يصدقاه على أن إذنه كان بالنقد فلا يميز على الموكل لتصديقهما له بذلك ويكون البيع على مذهب الشافعي في الجديد والصحيح من مذهبه القديم باطلا ، أجازه الموكل أو لم يجزه لوقوعه على غير الوجه المأذون فيه ، فعلى هذا إن لم يكن من الوكيل التسليم فلا ضمان عليه ولا على المشتري ، وإن سلم ذلك إلى المشتري كان كل واحد من الوكيل والمشتري ضامنا ، أما الوكيل فلتعديه بالدفع ، وأما المشتري فلعلتين :
أحدهما : حصول يده على ما لزم ضمانه .
والثانية : قبضه عن بيع فاسد .
فإن كان المبيع باقيا استرجعه الموكل من يد المشتري وله أن يأخذ الوكيل باسترجاعه .
وإن كان تالفا فله أن يرجع بالقيمة دون الثمن على من شاء من الوكيل أو المشتري ، فإن رجع بها على الوكيل رجع الوكيل بها على المشتري لحصول التلف في يده ، وإن رجع بها على المشتري لم يرجع المشتري بها على الوكيل إلا أن يكون قد دفع إليه الثمن فيرجع به .
وكان ابن أبي هريرة يخرج في صحة البيع وجها في القديم ، حيث قال الشافعي فيه : إن كان المالك بالخيار بين إمضاء الإجارة وأخذ المسمى وبين فسخها والمطالبة بأجرة المثل ، فجعل الموكل على هذا الوجه مخيرا بين إمضاء البيع ومطالبة المشتري بالثمن وبين فسخه واسترجاع المبيع إن كان باقيا أو القيمة إن كان تالفا . الغاصب إذا أجر ما غصبه
فإن أمضيا البيع فله مطالبة المشتري به دون الموكل ، وإن فسخ فله مطالبة أيهما شاء بالقيمة وأنكر باقي أصحابنا هذا التخريج .
والحالة الثانية : أن يكذبه الوكيل والمشتري ويزعمان أنه أذن في بيع النسيئة فالقول قول الموكل مع يمينه لأن الإذن من جهته فكان الرجوع إليه في صفته ، ويحلف لهما يمينا واحدة لأنهما أكذباه في شيء واحد .
فإذا حلف فإن كان المبيع باقيا استرجعه وإن كان تالفا يرجع بالقيمة على من شاء من الوكيل والمشتري لكونهما ضامنين بما بينا ، فإن رجع بالقيمة على المشتري رجع المشتري على الوكيل بالثمن إن كان قد أقبضه إياه ، سواء زاد على القيمة أو نقص منها .
وإن رجع الموكل بالقيمة على الوكيل ، فإن كانت أقل من الثمن رجع بها على المشتري ، وإن كانت أكثر من الثمن لم يرجع على المشتري بما زاد في القيمة على قدر الثمن لأنه مقر : الموكل ظالم بها ، فلم يجز أن يرجع بها على غير من ظلمه .
[ ص: 555 ] والحالة الثالثة : أن يصدقه الوكيل ويكذبه المشتري ، فإن كان المبيع باقيا فليس له الرجوع به إلا بعد يمينه لأنه في يد المشتري المكذب ، وإن كان تالفا فله القيمة .
وإن أراد الرجوع بها على الوكيل لم يحتج إلى يمين لتصديقه له .
وإن أراد الرجوع بها على المشتري فلا بد من اليمين لتكذيبه له .
والحالة الرابعة : أن يصدقه المشتري ويكذبه الوكيل ، فإن كان المبيع باقيا فلا يمين عليه لأنها في يد المشتري المصدق له ، وإن كان تالفا فله القيمة .
فإن أراد الرجوع بها على المشتري لم يحتج إلى يمين لتصديقه له .
وإن أراد الرجوع بها على الوكيل فلا بد من يمين لتكذيبه له ، هذا حكم الفصل الأول .