مسألة : قال المزني رضي الله عنه : " ولو كان لرجل على رجل حق فقال له رجل وكلني فلان بقبضه منك فصدقه ودفعه وتلف وأنكر رب الحق أن يكون وكله فله الخيار ، فإذا أغرم الدافع لم يرجع الدافع على القابض لأنه يعلم أنه وكيل بريء ، وإن أغرم القابض لم يكن له أن يرجع على الدافع لأنه يعلم أنه مظلوم بريء " .
قال الماوردي : وصورتها في ، فإن أقام على ما ادعاه في الوكالة بينة عادلة حكم بها ، والبينة شاهدان عدلان فإن كان فيهما ابن مدعي الوكالة لم تقبل شهادته لأنه يشهد لأبيه ، وكذا لو كان فيهما ابن من عليه الحق لم تقبل لأنه يشهد لأبيه بالبراءة من حق صاحب الحق بهذا الدفع ، ولكن لو كان فيهما ابن صاحب الحق قبلت شهادته لأنه يشهد على أبيه لا له . من غاب وله مال على رجل أو في يده فحضر رجل ادعى وكالة الغائب في قبض ماله
فإذا قامت البينة بالوكالة أجبر الحاكم من عليه المال على دفعه إلى الوكيل ؛ لأن لصاحب الحق أن يستوفيه بنفسه إن شاء أو بوكيله إن شاءه ، وليس لمن هو عليه أن يمتنع في تسليمه إلى وكيل مالكه .
[ ص: 552 ] وإن لم يلزم من عليه الحق أن يدفعه إلى مدعي الوكالة ، سواء صدقه على الوكالة أو كذبه . لم يكن لمدعي الوكالة بينة يثبت بها الوكالة
وقال أبو حنيفة والمزني إن صدقه على الوكالة لزمه دفع المال إليه كالمصدق لمدعي ميراث رب المال يلزمه دفع المال إليه ، وهذا خطأ من وجهين :
أحدهما : وهو تعليل أبي إسحاق أنه دفع لا يبرئه من حق الوكيل عند إنكار الوكالة ومن لم يبرأ بالدفع عند إنكار لم يجر عليه ، ألا ترى أن من عليه حق بوثيقة فله الامتناع عن الدفع إلا بإشهاد صاحب الحق على نفسه ، ولو لم تكن عليه وثيقة ففي جواز امتناعه من الدفع لأجل الشهادة وجهان :
أحدهما وهو قول أبي إسحاق له أن يمتنع لأن لا يتوجه عليه يمين عند ادعائه بعد دفعه .
والثاني : ليس له أن يمتنع ولا يلزم صاحب الحق الإشهاد لأنه إذا أنكر الحق بعد أدائه حلف بارا .
والتعليل الثاني هو تعليل أبي علي بن أبي هريرة أنه مقر في ملك غيره ومدع عقد وكالة لغيره فلم تقبل دعواه ولم يلزم إقراره ، ألا ترى أن لم يلزم دفع المال إليه ، وإن أقر باستحقاق قبضه فكذا الوكيل ، فأما اعترافه للوارث بموت صاحب الحق فيلزمه دفع المال إليه ، والفرق بينه وبين الوكيل أنه مقر للوارث بالملك فيلزمه الدفع لأنه ليس يبرأ به من الحق ولا يصير الوكيل مالكا ولا يبرأ بقبضه من الحق . من عليه الحق لو أقر بموت صاحب الحق وأن هذا الحاضر وصيه في قبض دينه
فأما إن على وجهين : أقر من عليه المال بأن صاحبه قد أحال هذا الحاضر به ، فهل يلزمه دفع المال إليه بإقراره أم لا ؟
أحدهما : يلزمه لأنه مقر بالملك فصار كإقراره للوارث .
والثاني : لا يلزمه لأنه لا يبرأ بالدفع عند الجحود فصار كإقراره بالتوكيل .