فصل : والدليل على الشرط الثاني وأن لا يجوز هو أنه عقد معاوضة عن وكالة مطلقة فوجب أن لا يصح بأقل من ثمن المثل قياسا على الشراء . بيعه بما لا يتغابن الناس بمثله
ولأن كل من لم يملك الهبة لم يملك المحاباة فيه كالوصي والعبد المأذون له في التجارة .
ولأن المحاباة كالهبة لاعتبارها من الثلث ، فلما لم تصح من الوكيل في البيع هبة المال أو [ ص: 540 ] بعضه لم تصح منه المحاباة فيه ، وتحريره أنه عقد استهلك به شيئا من مال موكله بغير إذنه فوجب أن يكون باطلا كالهبة .
فإذا ثبت ما ذكرنا وأن المثل معتبر وأن باطل فالاعتبار بالغبن عرف الناس في مثل المبيع وليس له حد مقدر . البيع بما لا يتغابن الناس بمثله
وقال مالك الثلث فصاعدا لقوله صلى الله عليه وسلم حد الغبن في البيوع " . " الثلث والثلث كثير
وقال أبو حنيفة : حد الغبن نصف العشر فصاعدا لأنه أقل ما يجب في زكوات الزروع والثمار .
وكلا المذهبين فاسد لأن عرف الناس فيما يكون غبنا كثير يختلف باختلاف الأجناس ، فمن الأجناس ما يكون ربع العشر فيه غبنا كثيرا وهو الحنطة والشعير والذهب والورق ، ومنها ما يكون نصف العشر فيه غبنا يسيرا كالرقيق والجوهر والطرف فلم يجز أن يحد ذلك بقدر مع اختلافه في عرفهم ووجب الرجوع فيه إليهم فما كان في عرفهم غبنا كثيرا أبطلنا وما كان فيه غبنا يسيرا أمضينا لأن البيوع لا تنفك من يسير المغابنات لأنها أرباح التجارات .
فإذا كان بيعه باطلا ولا ضمان عليه ما لم يسلم المبيع ، فإن سلمه صار بالتسليم ضامنا ولزمه استرجاع المبيع إن كان باقيا ، فإن هلك في يد المشتري كان كل من الوكيل والمشتري ضامنا . باع الوكيل بما لا يتغابن الناس بمثله
أما المشتري فضامن لجميع القيمة لأنه قابض عن عقد بيع فاسد .
وأما الوكيل ففي قدر ما يضمنه قولان ذكرهما الشافعي في كتاب الرهن الصغير أحدهما أنه يضمن جميع القيمة لتعديه بالتسليم ، والقول الثاني : أنه يضمن ما غبن فيه من قدر المحاباة لأنه به فسد العقد ولزم الضمان ، وقد مضى في التفريع على القولين في كتاب الرهن ما يقنع .