( 144 ) حدثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السرح المصري ، ، قالا : ثنا وزكريا بن يحيى الساجي محمد بن عزيز الأيلي ، ثنا سلامة بن روح ، حدثني ، عن عقيل بن خالد ، قال : أخبرني ابن شهاب ، سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، عن حديث وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله ، وكل حدثني طائفة من الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض ، زعموا أن عائشة - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - قالت : عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج بها سهمي ، فخرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل وأنزل في هودجي ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك ، ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذن بالرحيل لحاجتي ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي ، فإذا عقد لي من جزع [ ص: 93 ] أظفار قد انقطع فرجعت إلى عقدي نحو ابتغائه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم ينكر القوم خفة الهودج ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي ، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني ، فنمت ، وكان من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل أن ينزل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ، فما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها فركبتها ، فانطلق بي يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا ، فهلك من هلك وكان الذي تولى كبر الإفك صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمنا المدينة فاشتكيت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ، لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي ، أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل علي رسول الله فيقول : " كيف تيكم ؟ " ، ثم ينصرف فذلك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما أفقت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه قبل الغائط ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم [ ص: 94 ] مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد مناف ، وأمها أم صخر بنت عامر ، خالة ، وابنها أبي بكر الصديق ، فأقبلت أنا مسطح بن أثاثة بن المطلب وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت تسبين رجلا قد شهد بدرا ؟ ، قالت : يا هنتاه أو لم تسمعي ما قال ؟ ، قلت : وما قال ؟ ، فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا على مرضي ، فلما رجعنا إلى بيتي دخل علينا رسول الله ، ثم قال : " كيف تيكم ؟ " ، قلت له : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، قالت : فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجئت لأمي فقلت : يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ ، فقالت : يا بنية هوني عليك ، فوالله لقل ما كانت امرأة وضيئة عند من يحبها لها ضرائر إلا أكثرن عليها ، قالت : فقلت : سبحان الله ، وقد تحدث الناس بهذا ؟ ، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، قالت : ثم أصبحت أبكي ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب حين استلبث الوحي فشاورهما في فراق أهله ، فأما وأسامة بن زيد أسامة فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي كان في نفسه لهم من الود ، فقال أسامة : أهلك يا رسول الله ، لا نعلم إلا خيرا ، وأما فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء ، سواها كثير ، وإن تسأل الخادم تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله علي بن أبي طالب ، فقال لها : " أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك ؟ " ، قالت بريرة : والذي بعثك بالحق ما رأيت منها أمرا أغمصه عليها ، أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله ، فقام رسول الله صلى الله عليه [ ص: 95 ] وسلم يومئذ فاستعذر من بريرة عبد الله بن أبي بن سلول ، فقال رسول الله وهو على المنبر : " ، ووالله ما علمت من أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " ، فقام يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي الأنصاري ، فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه ، إن كان من سعد بن معاذ الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام وهو يومئذ سيد سعد بن عبادة الخزرج ، وكان من قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن حملته الحمية ، فقال : كذبت لعمر الله لا تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقام لسعد بن معاذ وهو ابن عم أسيد بن حضير ، فقال سعد بن معاذ : كذبت لعمر الله ليقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، قالت : فتثاور الحيان لسعد بن عبادة الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت ، قالت : فلبثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، قالت : فأصبح أبواي عندي ، وقد بكيت ليلتي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، يظنان أن البكاء فالق كبدي ، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي ، فاستأذنت امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلس ، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل قبلها ، ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شيء ، قالت : فتشهد رسول الله حين جلس ، ثم قال : " أما بعد يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه " ، قالت : فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب [ ص: 96 ] رسول الله فيما قال ، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، قالت : فقلت لأمي : أجيبي رسول الله فيما قال ، فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد علمت لقد سمعتم بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني ، ولئن اعترفت لكم أني بريئة والله يعلم أني منه بريئة لتصدقنني ، وإني والله ما أعلم لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف ، قال : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا أعلم حينئذ أني بريئة ، وأن الله سيبرئني ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرئني الله بها ، قالت : فوالله ما رام رسول الله ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ، حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القرآن الذي ينزل عليه ، قالت : فسري عن رسول الله وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها : " أما الله فقد برأك " ، فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله ، فقلت : والله إني لا أقوم ولا أحمد إلا الله ، فأنزل الله : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم - العشر الآيات كلها - ، فلما أنزل الله هذا في براءتي ، قال وهو ينفق على أبو بكر الصديق لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق على مسطح بن أثاثة مسطح شيئا بعد الذي قال لعائشة ، فأنزل الله : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى قوله : والله غفور رحيم ، فقال أبو بكر : بلى ، والله إني [ ص: 97 ] أحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها عنه أبدا ، قالت عائشة : وكان رسول الله يسأل - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - ، عن أمري ، فقال : " يا زينب بنت جحش زينب ماذا علمت أو رأيت ؟ " ، قالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيرا ، قالت : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها تحارب ، فأهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج إلى سفر أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله معه ، قالت
قال : فهذا ما انتهى إلينا من خبر هؤلاء الرهط من حديث الزهري عائشة رضي الله تعالى عنها .