قصة الإفك ، وما أنزل الله من براءتها
( 133 ) حدثنا ، عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ، قال : أخبرني الزهري ، سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير وعلقمة [ ص: 51 ] بن وقاص ، ، عن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، قال : فبرأها الله ، وكلهم حدثني طائفة من حديثها ، وبعضهم كان أرعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصا ، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، ذكروا أن عائشة - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج إلى سفر أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه ، قالت عائشة : فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيننا في غزوة غزاها ، فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما أنزل الله علينا الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل منه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست نحري فإذا عقدي من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي ، فحملوا هودجي فرفعوه على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أنني فيه ، قالت : وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رفعوه ورحلوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا به ، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتأممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أن القوم سيفقدوني ويرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت [ ص: 52 ] حتى أصبحت ، وكان قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب ، فما استيقظت إلا باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، ووالله ما كلمني كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطأ على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك في شأني ، وكان الذي تولى كبره صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمت المدينة ، واشتكيت حين قدمتها شهرا والناس يخوضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أن أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما كان يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يقول : " كيف تيكم ؟ " ، فذلك يريبني ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما نقهت ، وخرجت مع أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا ، لا نخرج إلا من ليل إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح ، وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر ، خالة أبي بكر الصديق ، وابنها ، فأقبلت أنا مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت تسبين رجلا شهد بدرا ؟ ، فقالت : أي هنتاه ، أو لم تسمعي ما قال ؟ ، قلت : وماذا قال ؟ ، قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسلم ثم قال : " كيف [ ص: 53 ] تيكم ؟ " ، قلت له : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ ، قالت : وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجئت فقلت لأمي : يا أمه ما تحدث الناس ؟ ، فقالت : أي بنية هوني عليك فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، فقلت : سبحان الله أوقد تحدث الناس بهذا ؟ ، قالت : نعم ، قالت : فمكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا اكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله ، قالت : وأسامة بن زيد أسامة فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود ، فقال : يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا ، فأما فقال : لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير علي بن أبي طالب ، وإن تسأل الجارية تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما ، فقال : " بريرة هل رأيت من شيء يريبك من أمر بريرة عائشة ؟ " ، فقالت له أي : والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله ، قالت : فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستعذر من بريرة عبد الله بن أبي بن سلول ، قالت : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر : " ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " ، فقام يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فقال : لقد أعذرك الله منه يا رسول الله ، إن كان من سعد بن معاذ الأنصاري الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام [ ص: 54 ] وهو سيد سعد بن عبادة الخزرج ، وكان رجلا صالحا ، ولكن حملته الحمية ، فقال : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام لسعد بن معاذ وهو ابن عم أسيد بن حضير ، فقال سعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، قالت : فثار الحيان لسعد بن عبادة الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا وسكت ، فمكثت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يبكيان حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي ، قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها فجلست تبكي معي ، فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم ثم جلس ، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل في ما قيل ، ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء ، قالت : فتشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جلس ، ثم قال : " أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال ، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قالت : فقلت وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ من القرآن كثيرا : إني والله قد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا الأمر حتى استقر في أنفسكم وصدقتم ، ولئن قلت لكم إني منه بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو [ ص: 55 ] يوسف فصبر جميل الآية .
قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، وأنا والله أعلم أني حينئذ بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها ، قالت : فوالله ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه ولا خرج من البيت أحد حتى أنزل الله على نبيه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي ، حتى أنه يتحدر منه مثل الجمان في اليوم الشاتي من ثقل الوحي الذي أنزل عليه ، قالت : فلما سري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : " أبشري يا عائشة أما والله فقد برأك الله " ، فقالت لي أمي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي ، قالت : إن الذين جاءوا بالإفك عشر آيات ، فأنزل الله هذه الآيات براءتي ، قالت : فقال فأنزل الله : أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ولا يأتل أولو الفضل منكم الآية ، فقال فأنزل الله أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا ، قالت عائشة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - : " ما علمت وما رأيت ؟ زينب بنت جحش " ، قالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا ، قالت سأل عائشة : وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك . [ ص: 56 ] قال : فهذا ما انتهى إلي من أمر هؤلاء الرهط الزهري . حديث