[ هذا الفن ] وممن جمع في ذلك اليسير أيضا ذكر أمهات الكتب في الحسين بن عياش أبو بكر السلمي ومحمد بن المستنير أبو علي المعروف بقطرب . وكانت وفاتهما قبل معمر ، الأول بست سنين ، والثاني بأربع . ثم جمع عصري عبد الملك بن قريب الأصمعي معمر ، بل المتوفى بعده في سنة ثلاث عشرة ومائتين ، كتابا ، فزاد وأحسن . في آخرين من أئمة الفقه واللغة جمعوا أحاديث تكلموا على لغتها ومعناها في أوراق ذوات عدد . ولم يكد أحد منهم ينفرد عن غيره بكبير أمر لم يذكره الآخر ، وكذا صنف أبو عبد الرحمن اليزيدي في ذلك .
[ ص: 27 ] ( ثم تلى ) الجميع قريبا من هذا الآن ( ، المتوفى في سنة أربع وعشرين ومائتين ( 224هـ ) ، فجمع كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار ، تعب فيه جدا ; فإنه أقام فيه أربعين سنة بحيث استقصى وأجاد بالنسبة لمن قبله ، ووقع من أهل العلم بموقع جليل ، وصار قدوة في هذا الشأن كما قال أبو عبيد ) القاسم بن سلام وغيره ، حتى إن ابن الصلاح ابن كثير قال : إنه أحسن شيء وضع فيه ، يعني قبله . ولكنه غير مرتب ، فرتبه الشيخ على الحروف ، ولم يزل الناس ينتفعون بكتاب موفق الدين بن قدامة أبي عبيد . وعمل أبو سعيد الضرير كتابا في التعقب عليه .
وكذا ممن جمع الغريب في هذا الوقت الإمام أبو الحسن علي بن المديني ، وأحمد بن الحسن الكندي البغدادي تلميذ معمر ، وأبو عمرو شمر بن حمدويه المتوفى في سنة ست وخمسين ومائتين ( 256هـ ) . وكتابه يقال : إنه قدر كتاب أبي عبيد مرارا .
( واقتفى ) أثر أبي عبيد وحذا حذوه بضم القاف وفتح المثناة نسبة لجده ، وكانت وفاته في سنة ست وسبعين ومائتين ، فصنف كتابه المشهور وجعله ذيلا على كتاب أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ( القتبي ) أبي عبيد ، فكان [ ص: 28 ] أكبر حجما من أصله ، مع أنه أضاف إليه التنبيه على كثير من أوهامه ، بل وأفرد للاعتراض عليه كتابا سماه إصلاح الغلط .
وقد انتصر لأبي عبيد في جزء لطيف رد فيه على أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي ابن قتيبة ، لكن قال لنا شيخنا عن شيخه المصنف : إن ابن قتيبة كان كثير الغلط .
وكذا صنف فيه أحد معاصري أبو إسحاق الحربي ابن قتيبة ، والمتوفى بعده في سنة خمس وثمانين ، كتابا حافلا ، أطاله بالأسانيد وسياق المتون بتمامها ، ولو لم يكن في المتن من الغريب إلا كلمة ، فهجر لذلك كتابه مع جلالة مصنفه وكثرة فوائد كتابه . ثم صنف فيه غير واحد من المائة الثالثة أيضا ; المتوفى سنة خمس وثمانين ، كأبي العباس المبرد وثعلب المتوفى سنة إحدى وتسعين ، وأبي الحسن محمد بن عبد السلام الخشي المتوفى سنة ست وثمانين .
ومن المائة الرابعة ; كأبي محمد قاسم بن ثابت بن حزم السرقسطي ، المتوفى سنة اثنتين . وكتابه ، واسمه ( الدلائل ) ، ذيل على كتاب القتيبي ، وكان قاسم قد ابتدأه ، ثم مات قبل أن يكمله ، فأكمله أبوه ; لتأخر وفاته عنه مدة ; فإنه مات سنة ثلاث عشرة . المتوفى سنة ثمان وعشرين ، وكأبي بكر بن الأنباري ، المتوفى سنة خمس وأربعين . وغريبه صنفه على مسند وأبي عمر الزاهد غلام ثعلب أحمد خاصة ، وهو حسن جدا فيما قيل .
( ثم ) بعدهم [ ص: 29 ] المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ( 388هـ ) ، ( صنفا ) كتابه المعروف ، وهو أيضا ذيل على أبو سليمان ( حمد ) هو ابن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي القتيبي مع التنبيه على أغاليطه .
فهذه الثلاثة - أعني كتب الخطابي والقتيبي وأبي عبيد - أمهات الكتب المؤلفة في ذلك ، وإليها المرجع في تلك الأعصار . ووراءها - كما قال - مجاميع تشتمل من ذلك على زوائد وفوائد كثيرة ، بحيث كما قال ابن الصلاح ابن الأثير : لم يخل زمن من مصنف فيه .
ومنها في المائة الخامسة كتاب صاحب أبي عبيد أحمد بن محمد بن محمد الهروي أبي منصور الأزهري اللغوي وعصري الخطابي ، بل والمتأخر بعده ; فإنه مات سنة إحدى وأربعمائة ( 401هـ ) ، جمع فيه بين كتابي أبي عبيد وابن قتيبة وغيرهما ممن تقدم ، مع زيادات جمة ، وإضافته لذلك غريب القرآن ، مرتبا لذلك كله على حروف المعجم ، فكان أجمع مصنف في ذلك قبله . واختصره الفقيه المتوفى سنة سبع وأربعين ( 47هـ ) ، وسماه ( تقريب الغريبين ) . وكذا اختصره مع زيادات يسيرة الحافظ أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي المتوفى في أواخر المائة السادسة سنة سبع وتسعين . بل وجمع الحافظ أبو الفرج بن الجوزي أبو الفضل محمد بن ناصر البغدادي - وكانت وفاته سنة خمسين وخمسمائة ( 550هـ ) - أوهامه في تصنيف مستقل . وذيل عليه على طريقته في الغريبين والترتيب [ ص: 30 ] الحافظ ذيلا حسنا ، ثم جمع بينهما - أعني كتاب أبو موسى المديني الهروي والذيل عليه لأبي موسى مقتصرا على الحديث خاصة - مع زيادات جمة ، فكان كتابه النهاية كاسمه ، وعول عليه كل من بعده ; لجمعه وسهولة التناول منه ، مع إعواز قليل فيه . ويقال : إن الصفي المجد أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري محمود بن محمد بن حامد الأرموي ذيل عليه أو كتب على نسخته منه حواشي ، فأفردها غيره ، كما أن للمصنف على نسخته منه أيضا حواشي كثيرة ، كان عزمه تجريدها في ذيل كبير ، وما أظنه تيسر ، وقد اختصرها غير واحد .
وكذا لابن الأثير كتاب آخر سماه ( منال الطالب في شرح طوال الغرائب ) في مجلد . بل وله شرح غريب كتابه ( جامع الأصول ) في مجلد . وكانت وفاته آخر يوم من سنة ست وستمائة ( 606هـ ) .
ومنها كتاب ( الفائق ) من أنفس الكتب ; لجمعه المتفرق في مكان واحد مع حسن الاختصار وصحة النقل . وهو وإن كان على حروف المعجم فهو ملتزم استيفاء ما في كل حديث من غريب في حرف من حروف بعض كلماته ، فعسر لذلك الكشف منه بالنسبة لكتاب لأبي القاسم الزمخشري الهروي ، ولكنه أسهل تناولا من كثير ممن قبله . وكانت وفاة مؤلفه سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة ( 538هـ ) .
ومنها ( مجمع الغرائب ) للحافظ ، المتوفى سنة تسع وعشرين وخمسمائة ( 529هـ ) . ورأيت في كلام أبي الحسين عبد الغافر بن إسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري الزركشي بعد أن ذكر النهاية ما نصه : وزاد [ ص: 31 ] عليه في مجمع الغرائب ، فينظر . الكاشغري
ومنها كتاب ( المشارق ) المتوفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة ( 544هـ ) . وهو أجل كتاب ، جمع فيه بين ضبط الألفاظ واختلاف الروايات وبيان المعنى ، لكنه خصه بالموطأ والصحيحين مع ما أضاف إليه من مشتبه الأسماء والأنساب . وينسب للقاضي عياض تلميذ لأبي إسحاق بن قرقول المتوفى بعده في سنة تسع وستين كتاب ( المطالع ) . القاضي عياض
والظاهر أنه منتزع من ( المشارق ) لشيخه ، مع التوقف في كونه نسبه لنفسه ، وقد نظمه الإمام شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الموصلي فأحسن ما شاء . وكذا في الغريب ( المجرد ) لعبد الله بن يوسف البغدادي ، و ( قنعة الأريب في تفسير الغريب ) لبعضهم ، وغيره ، وما لا يحصى كثرة ، وغريب لمحمد بن جعفر النحوي خاصة البخاري لأبي الوليد بن الصابوني ، وغريب الموطأ لبعضهم . وكذا جرد بعضهم من بعض شروح [ ص: 32 ] مسلم غريبه ، فهذا ما علمته الآن من كتب غريب الحديث .
قال ابن كثير : وأجل كتاب يوجد فيه مجامع ذلك كتاب ( الصحاح ) للجوهري . قلت : و ( القاموس ) للمجد الشيرازي شيخ شيوخنا . وهو - كما قال - يقبح جهله بأهل الحديث خاصة ، ثم بأهل العلم عامة . ابن الصلاح