( وضده ) ; أي : وضد العلو ( النزول ) ، بحيث يتنوع أقسامه ( كالأنواع ) السابقة للعلو ، فما من قسم من أقسامه الخمسة إلا وضده قسم من أقسام النزول ، فهو إذا خمسة أقسام ، وتفصيلها يدرك من تفصيل أقسام العلو على نحو ما تقدم .
[ ص: 358 ] وأنزل ما في الصحيحين مما وقفت عليه ما بينهما وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه ثمانية ، وذلك في غير ما حديث ، كحديث توبة كعب في تفسير ( براءة ) .
وحديث بعث أبي بكر في الحج في ( براءة ) أيضا . لأبي هريرة
وحديث : ( ) في الكفارة تلو الأيمان والنذور في ( باب قول الله تعالى : من أعتق رقبة أو تحرير رقبة ) .
وحديث أنه صلى الله عليه وسلم طرق عليا وفاطمة في ( المشيئة والإرادة من التوحيد ) ، وأربعتها في ( ) . البخاري
وحديث النعمان : ( ) . الحلال بين
وحديث عدي بن كعب : ( ) ، وهما في ( لا يحتكر إلا خاطئ مسلم ) ، بل وقفت على عشاريين ، شاركه للنسائي الترمذي في أحدهما سلفا في المصافحة والمساواة .
[ ] : النزول ليس بمذموم في كل وقت
( وحيث ذم ) النزول ; كقول علي بن المديني كما في ( الجامع ) وأبي عمرو المستملي للخطيب وغيره : إنه شؤم ، وقول كما في ( الجامع ) أيضا : إنه قرحة في الوجه . ابن معين
( فهو ما لم ) تدع ضرورة لسماعه ، كقصد التبحر في جمع الطرق ، أو غرابة اسم راويه عند [ ص: 359 ] من يقصد جمع شيوخه على حروف المعجم ، أو عدم وجود غيره في بلد عظيم لمن قصد الاعتناء بالأحاديث البلدانيات ، كما اتفق للحافظ الخطيب أنه كتب ببيت المقدس عن شاب اسمه وفي ، روى عن بعض تلامذته ممن كان إذ ذاك في قيد الحياة لغرابة اسمه .
واقتفيت أثره في ذلك حيث سمعت على امرأة اسمها لمياء ، مع نزول إسنادها ، أو ما لم ( يجبر ) النزول بصفة مرجحة كزيادة الثقة في رجاله على العالي ، أو كونه أحفظ أو أضبط أو أفقه ، أو كونه متصلا بالسماع ، وفي العالي حضور أو إجازة أو مناولة أو تساهل من بعض رواته في الحمل ، أو نحو ذلك ; فإن العدول حينئذ إلى النزول ليس بمذموم ولا مفضول .
ونحوه قول : وما جاء في ذم النزول مخصوص ببعض النزول ; فإن ابن الصلاح كان مختارا غير مرذول . وقال بعضهم : وفيه نظر ; لأنه - والحالة هذه - لا يسمى نازلا مطلقا ، وهو ظاهر . النزول إذا تعين دون العلو طريقا إلى فائدة راجحة على فائدة العلو
وقد روينا من جهة عبد الله بن هاشم الطوسي أنهما قالا : كنا عند وعلي بن خشرم فقال لنا : أي الإسنادين أحب إليكم ، وكيع عن الأعمش أبي وائل عن ، أو ابن مسعود عن سفيان الثوري منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ؟ فقلنا : ابن مسعود عن الأعمش أبي وائل ، فقال : يا سبحان الله ، شيخ الأعمش وأبو وائل شيخ ، وسفيان فقيه عن فقيه عن فقيه عن فقيه ، وحديث يتداوله الفقهاء خير [ ص: 360 ] من أن يتداوله الشيوخ .
وقد فصل شيخنا تفصيلا حسنا ، وهو : إن النظر إن كان للسند فشيوخ ، وإن كان للمتن فالفقهاء ، وإذا رجح الإسناد الثاني مع نزوله بدرجتين لما امتاز به رواته من الفقه المنضم لمعرفة الحديث على الإسناد الأول مع كونه صحيحا ، فكيف بغيره مما لا يصح ؟ ! . وكيع
( والصحة ) بلا شك مع النزول وهي ( العلو ) المعنوي ( عند النظر ) والتحقيق ، والعالي عند فقد الضبط والإتقان علو صوري ، فكيف عند فقد التوثيق ؟ ! وإليه أشار السلفي حيث قال : الأصل الأخذ عن العلماء ، فنزولهم أولى من علو الجهلة على مذهب المحققين من النقلة . والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق .
وقال إبراهيم بن الجنيد : قلت : أيما أحب إليك : أكتب جامع لابن معين عن فلان أو فلان ، يعني عنه ، أو عن رجل عن سفيان الثوري ، يعني عنه ؟ فقال : عن رجل عن رجل حتى عد خمسة أو ستة عن المعافى بن عمران المعافى أحب إلي .
وروى ، وكذا السلفي الخطيب من طريق ، قال : ابن معين . قال الحديث بنزول [ ص: 361 ] عن ثبت خير من علو غير ثبت : وأنشد السلفي محمد بن عبد الله بن زفر في معناه :
علم النزول اكتبوه فهو ينفعكم وترككم ذاكم ضرب من العنت إن النزول إذا ما كان عن ثبت
أعلى لكم من علو غير ذي ثبت
وكذا أسند عن محمد بن عبيد الله العامري الأديب من قوله :
لكتابي عن رجال أرتضيهم بنزول هو خير من كتابي بعلو عن طبول
إن الرواية بالنزول عن الثقات الأعدلينا خير من العالي عن الجهال والمستضعفينا
وللخطيب من جهة علي بن معبد قال : سمعت ، وذكر له قرب الإسناد ، فقال : حديث بعيد الإسناد صحيح خير من حديث قريب الإسناد سقيم ، أو قال : ضعيف . عبيد الله بن عمرو
وعن قال : ليس جودة الحديث قرب الإسناد ، جودة الحديث صحة الرجال . ونحوهم ما حكاه ابن المبارك عن والده عن أبو سعد السمعاني أبي القاسم عبد الله بن علي عن أخيه الوزير نظام الملك الحسن بن علي أنه قال : مذهبي في علوم الحديث غير مذهب أصحابنا ، إنهم يذهبون إلى أن الحديث العالي ما قل رواته ، وعندي أن الحديث العالي ما صح [ ص: 362 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن بلغت رواته مائة .
وكذا قال ابن برهان الأصولي في كتاب ( الأوسط ) : علو الإسناد يعظمه أصحاب الحديث ، ويشددون في البحث عنه . قال : وعلو الحديث عندهم ليس عبارة عن قلة الرجال ، وإنما هو عبارة عن الصحة ، ولهذا ينزلون أحيانا طلبا للصحة ، فإذا وجدوا حديثا له طريقان ; أحدهما بخمسة وسائط مثلا ، والأخرى بسبعة ، يرجحون النازل على العالي طلبا للصحة . وقد نظم هذا المعنى فقال : السلفي
ليس حسن الحديث قرب رجال عند أرباب علمه النقاد بل علو الحديث بين أولي الحفـ
ـظ والإتقان صحة الإسناد وإذا ما تجمعا في حديث فاغتنمه فذاك أقصى المراد
قلت : يقول : إنه بالوصف بالعلو أولى ; إذ ليس في الكلام ما يخرجه .
تتمة : لو جمع بين سندين أحدهما أعلى فبأيهما يبدأ ؟ فجمهور المتأخرين يبدأ بالأنزل ; ليكون لإيراد الأعلى بعده فرحة ، وأكثر المتقدمين بالأعلى لشرفه .
ومن أمثلته في ( ) قوله : حدثنا البخاري محمد بن سنان ، حدثنا فليح ح ، وحدثنا ، حدثنا إبراهيم بن المنذر محمد بن فليح ، حدثنا أبي .
وقوله : حدثنا عبدان ، أخبرني أبي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ح ، وحدثني أحمد بن عثمان ، حدثنا شريح بن مسلمة ، حدثنا [ ص: 363 ] ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن يوسف أبي إسحاق .
وفي ( مسلم ) : حدثنا ابن نمير والأشج ، كلاهما عن ، وحدثنا وكيع إسحاق بن إبراهيم ، أنا ، كلاهما عن عيسى بن يونس ، وحدثنا الأعمش ، محمد بن أبي بكر المقدمي وأبو بكر بن نافع ، كلاهما عن ، عن ابن مهدي ، عن الثوري . الأعمش
ولا يسلكان خلافه إلا لنكتة أو ضرورة . ومنه قول : حدثنا البخاري مسدد ، حدثنا ، عن يحيى بن سعيد ، فذكر حديثا ، ثم قال : حدثنا سفيان الثوري أبو نعيم عن سفيان نحوه .