الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
4199 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - nindex.php?page=hadith&LINKID=10364074أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع مائدته قال : " nindex.php?page=treesubj&link=18339الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا " . رواه البخاري
4199 - ( وعن أبي أمامة - رضي الله عنه : أن النبي كان إذا رفع ) : وفي رواية : إذا رفعت " ( مائدته ) : أي : من بين يديه كما في رواية ، وفي الحديث إشكال ; لأنهم فسروا المائدة بأنها خوان عليه طعام ، وثبت في الحديث الصحيح برواية أنس - رضي الله عنه - nindex.php?page=hadith&LINKID=10364075أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل على خوان كما تقدم في الكتاب ، فقيل في الجواب : بأنه أكل عليه في بعض الأحيان لبيان الجواز ، وبأن أنسا ما رأى ورآه غيره ، والمثبت مقدم على النافي . ويقال : إن المراد بالخوان ما يكون بخصوصه ، والمائدة تطلق على كل ما يوضع عليه الطعام ؛ لأنها مشتقة من ماد يميد إذا تحرك أو أطعم ، ولا يختص بصفة مخصوصة ، وقد تطلق المائدة ويراد بما نفس الطعام أو بقيته أو آثاره ، فيكون مراد أبي أمامة إذا رفع من عنده - صلى الله عليه وسلم - ما وضع عليه الطعام أو بقيته .
( قال ) : وفي رواية " يقول : أي رافعا صوته ، فإن من السنة أن لا يرفع صوته nindex.php?page=treesubj&link=18339بالحمد عند الفراغ من الأكل إذا لم يفرغ جلساؤه كيلا يكون منعا لهم . ( الحمد لله ) : أي الثناء بالجميل على ذاته وصفاته وأفعاله التي من جملتها الإنعام بالإطعام ( حمدا ) : مفعول مطلق للحمد إما باعتبار ذاته ، أو باعتبار تضمينه معنى الفعل أو لفعل مقدر ( كثيرا ) : أي لا ناهية لحمده كما لا غاية لنعمه ، ( طيبا ) : أي خالصا من الرياء والسمعة ، ( مباركا ) : هو وما قبله صفات لـ " حمدا " ، وقوله : ( فيه ) : ضميره راجع إلى الحمد أي : حمدا ذا بركة دائما لا ينقطع ؟ لأن نعمه لا تنقطع عنا ، فينبغي أن يكون حمدنا غير منقطع أيضا . ولو نية واعتقادا ، ( غير مكفي ) : بنصب " غير " في الأصول المعتمدة على أنه حال من الله ، أو من الحمد وهو أقرب ، وفي نسخة برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف هو هو ، والمرجع هو هو ، ومكفي : اسم فاعل من الكفاية ، والضمير راجع إلى الحمد أي : لا يكتفي بهذا القدر من الحمد ، فإن كل حمد يحمد به الحامدون فهم فيه مقصرون ، وقيل : الضمير راجع إلى الله تعالى أي : غير محتاج إلى أحد فيكفي ، لكنه يطعم ولا يطعم ، ويكفي ولا يكفى ، وقيل : يحتمل أنه يكون من [ ص: 2709 ] كفات الإناء أي : غير مردود عليه إنعامه ، ويحتمل أن يكون الضمير للطعام ، ومعناه أنه غير مكفي من عندنا ، بل هو الكافي والرازق ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي عن أبي منصور الجوالقي أن الصواب غير مكافأ بالهمز أي نعمة الله لا تكافأ . قال العسقلاني : وثبت هذا اللفظ هكذا في حديث أبي أمامة بالياء ، ولكل معنى والله أعلم . ( ولا مودع ) : بفتح الدال المشددة أي : غير متروك الطلب والرغبة فيما عنده فيعرض عنه ، قيل : ويحتمل أن يكون بكسر الدال على أنه حال من القائل أي : غير تارك الحمد ، أو تارك الطلب والرغبة فيما عنده ، وتعقب بأنه مع بعده لا يلائمه ما بعده وهو قوله : ( ولا مستغنى عنه ) : إذ الرواية فيه ليست إلا على صيغة المفعول ، كما هو مقتضى الرسم ، ومعناه غير مطروح ولا معرض عنه ، بل محتاج إليه فهو تأكيد لما قبله بدليل " لا " لا عطف تفسير كما قيل ونظر فيه بأنه ، بل فيه فائدة تستمد من سابقه نصا وهي أنه لا استغناء لأحد عن الحمد لوجوبه على كل مكلف إذ لا يخلو أحد من نعمة ، بل نعمه لا تحصى ، وهو في مقابلة النعم واجب كما صرحوا به ، لكن ليس المراد بوجوبه أن من تركه لفظا يأثم ، بل معناه أن من أتى به بالمعنى الأعم في مقابلة النعم أثيب عليه ثواب الواجب ، ومن أتى به لا في مقابلة شيء أثيب عليه ثواب المندوب ، أما شكر المنعم بمعنى امتثال أوامره واجتناب زواجره ، فهو واجب شرعا على كل مكلف يأثم بتركه إجماعا .
وقوله : ( ربنا ) : روي بالرفع والنصب والجر ، فالرفع على تقدير هو ربنا أو أنت ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا ، أو على أنه مبتدأ وخبره " غير " بالرفع مقدم عليه ، وأغرب الحنفي في شرح شمائله حيث قال : مبتدأ خبره محذوف ، أي : ربنا هذا ، والنصب على أنه منادى حذف منه حرف النداء ، أو على المدح أو الاختصاص أو إضمار أعني ، والجر على أنه بدل من الله . قال ابن حجر في شرح شمائله : والقول بأنه بدل من الضمير في " عنه " واضح الفساد ، إذ ضمير عنه للحمد ، كما لا يخفى على من له ذوق اهـ . وفيه أنه يجوز أن يكون ضمير " عنه " لله تعالى ، بل هو الأظهر ، فلا فساد فيه حينئذ أصلا . ( رواه البخاري ) : وفي الجامع الصغير : رواه أحمد والبخاري وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - بلفظ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10364076كان إذا رفعت مائدته قال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا ، فيه الحمد لله الذي كفانا وأوانا غير مكفي ولا مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا " .