إن الله كان بكم رحيما أي : إنه كان بنهيه إياكم عن ، وعن قتل أنفسكم رحيما بكم ; لأن في ذلك حفظ دمائكم وأموالكم التي هي قوام مصالحكم ومنافعكم فيجب أن تتراحموا فيما بينكم ويكون كل منكم عونا للآخرين على حفظ النفس ومدافعة رزايا الدهر . أكل أموالكم بالباطل
ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ، قال الأستاذ الإمام : ذهب بعض المفسرين إلى أن المشار إليه في قوله : ذلك كل ما تقدم النهي عنه من أول السورة إلى الآية السابقة ، وقال : إن المشار إليه هو ما نهى عنه من قوله تعالى : [ ص: 38 ] ابن جرير يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( 4 : 19 ) ، إلى هنا ، وذلك أن المنهيات التي قبل تلك الآية قد اقترنت بالوعيد عليها على حسب سنة القرآن ولكن هذه المنهيات الأخيرة لم يوعد عليها بشيء وإن وصفت بالقبح الذي يترتب عليه الوعيد ـ وهي النهي عن إرث النساء كرها ، وعن عضلهن لأخذ شيء من مالهن ، وعن ، وعن أكل أموال الناس بالباطل ، وعن القتل ـ وقال بعضهم : إن المشار إليه في هذه الآية هو القتل فقط ، وقد قصر كل التقصير ، وأكثر المفسرين على أن المراد بذلك ما في الآية الأخيرة من النهي عن أكل أموال الناس بالباطل وعن القتل ، وهذا هو المعقول المقبول فإن ما قبلها من المنهيات التي لم تقترن بالوعيد قد اقترنت بالوصف الدال عليه . نكاح ما نكح الآباء في الجاهلية
( قال ) والعدوان : هو التعدي على الحق فكأنه قال بغير حق ، وهو يتعلق بالقصد ، فمعناه أن يتعمد الفاعل إتيان الفعل وهو يعلم أنه قد تعدى الحق ، وجاوزه إلى الباطل ، ، والوعيد مقرون بالأمرين معا ، وهما أن يقصد الفاعل العدوان ، وأن يكون فعله ظلما في الواقع ، ونفس الأمر ، فإذا وجد أحدهما دون الآخر لا يستحق هذا الوعيد الشديد ، مثال تحقق العدوان دون الظلم أن يقتل الإنسان رجلا يقصد الاعتداء عليه ، ثم يظهر له أنه كان راصدا له يريد قتله ، ولو لم يسبقه لقتله ، أو أنه كان قتل من له ولاية دمه كأصله أو فرعه ، فهاهنا لم يتحقق الظلم ، وأما العدوان فواقع لا محالة ، ومثال تحقق الظلم فقط أن يسلم امرؤ مال آخر ظانا أنه ماله الذي كان سرقه أو اغتصبه منه ، ثم يتبين له أن المال ليس ماله ، وأنه لم يكن هو الذي أخذ ماله ، وأن يقتل رجلا رآه هاجما عليه فظن أنه صائل يريد قتله ثم يتبين له خطأ ظنه ، فهاهنا تحقق الظلم ولكن لم يتحقق العدوان ، أقول : والظلم يتعلق بالفعل نفسه بأن كان المتعدي لم يتحر ويجتهد في استبانة ما يحل له منه فيفعل ما لا يحل ، ولكن عقاب من يجمع بينهما ، وإصلاءه النار إدخاله فيها وإحراقه بها ، وأصله من الصلي وهو القرب من النار للاستدفاء ، قال الراجز : وقد يعاقب الإنسان على بعض الصور التي لا تجمع بين العدوان والظلم معا لتقصيره في استبانة الحق
يقعي جلوس البدوي المصطلي
، أي : المستدفئ ، وتتمة هذا البحث اللغوي في تفسير الآية التاسعة من هذه السورة [ ص 284 ج 4 ط الهيئة العامة للكتاب ] .وكان ذلك على الله يسيرا أي : أن ذلك الوعيد البعيد شأوه ، الشديد وقعه ، يسير على الله غير عسير ، وقريب من العادين الظالمين غير بعيد ؛ لأن سنته قد مضت بأن يكون العدوان والظلم مدنسا للنفوس مدسيا لها بحيث يهبط بها في الآخرة ، ويرديها في الهاوية ، وقال الأستاذ الإمام : إن معنى كونه يسيرا على الله تعالى هو أن حلمه في الدنيا على المعتدين الظالمين وعدم معاجلتهم بالعقوبة لا يقتضي أن ينجو من عقابه في الآخرة ، وهذا الذي قاله لا ينافي ما قلناه ، بل هو تنبيه إلى موضع العبرة ، أي : فلا يغترن الظالمون بعزتهم وقوتهم على من يظلمونهم [ ص: 39 ] ولا يقيسن الآخرة على الدنيا فيكونوا كأولئك المشركين الذين قالوا فيما حكى الله عنهم : نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ( 34 : 35 ) ، بل يجب ألا يأمنوا تقلب الدنيا وغيرها ولا ينخدعوا بقول الشاعر :
لقد أحسن الله فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي