ثم قال تعالى : يريد الله أن يخفف عنكم إذ لم يضيق عليكم في أمر النساء ، حتى إنه أباح لكم عند الضرورة ، بل لم يجعل عليكم في الدين من حرج قط ، فشريعتكم هي الحنيفية السمحة كما ورد نكاح الإماء وخلق الإنسان ضعيفا لا يقدر على مقاومة الميل إلى النساء ولا يحمل ثقل التضييق عليه في الاستمتاع بهن ، فمن رحمته تعالى أنه لم يحرم عليه منهن إلا ما في إباحته مفسدة عظيمة ، ومع هذا ترى الزنا يفشو حيث يضعف الدين حتى لا يكاد الناس يثقون بنسلهم ، وحتى تكثر الأمراض ويقل النسل ، ويستشري الفساد في الأرض ، وقد كان الرجال ولا يزالون هم المعتدين في هذا الأمر لقوة شهوتهم ، وشدة جرأتهم ، فهم [ ص: 32 ] يفسدون النساء ويستميلونهن بالمال ، ثم يتهمونهن بأنهن المتصديات للإفساد ، ويحجر واحدهم على امرأته ويحجبها ، ويحتال على إخراج امرأة غيره من خدرها ! وهو يجهل أن الحلية التي أفسد بها امرأة غيره هي التي يفسد بها غيره امرأته ، وأنه قلما يفسق رجل إلا ويكون أستاذا لأهل بيته في الفسق ، ومن حكم الحديث الشريف : " " رواه عفوا تعف نساؤكم ، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم من حديث الطبراني جابر والديلمي من حديث علي بمعناه ، على أن في الرجال الفاسقين ، والمتفرنجين المارقين من مردوا على الفسق وصاروا يرونه من العادات الحسنة ، فخزيت عفتهم وزالت غيرتهم ، فهم يعدون الدياثة ضربا من ضروب الكياسة ، فيسلسون القياد لنسائهم ، كما يسلسن القياد لهم ، وذلك منتهى ما تطيقه الرذيلة من الجهد في إفساد البيوت بتنكيث قوى الرابطة الزوجية ، وجعلها وسيلة لما هي في الفطرة والشريعة أشد الموانع دونه ; لأنها هي الحصن للمرتبطين بها من فوضى الأبضاع ، والحفاظ لما فيه هناء المعيشة من الاختصاص .
أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : ثماني آيات نزلت في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت ، وعد هذه الآيات الثلاث : ابن عباس يريد الله ليبين لكم إلى قوله : ضعيفا والرابعة : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ( 4 : 31 ) ، والآية الخامسة : إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( 4 : 40 ) ، والآية السادسة : إن الله لا يغفر أن يشرك به ( 4 : 48 ) ، إلخ ، والسابعة : ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ( 4 : 110 ) ، إلخ ، والثامنة : والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ( 4 : 152 ) ، إلخ ، وسيأتي تفسيرها في مواضعها إن شاء الله تعالى .