ومما يجب التنبيه له أن الناس قد غلب عليهم
nindex.php?page=treesubj&link=12852التساهل في أمر الرضاعة فيرضعون الولد من امرأة ، أو من عدة نسوة ، ولا يعنون بمعرفة أولاد المرضعة وإخوتها ، ولا أولاد زوجها من غيرها وإخوته ليعرفوا ما يترتب عليهم في ذلك من الأحكام كحرمة النكاح ، وحقوق هذه القرابة الجديدة التي جعلها الشارع كالنسب ، فكثيرا ما يتزوج الرجل أخته ، أو عمته ، أو خالته من الرضاعة ، وهو لا يدري .
وظاهر الآية أن التحريم يثبت بما يسمى إرضاعا في عرف أهل هذه اللغة ، قل أو كثر ، ولكن ورد في الحديث المرفوع
nindex.php?page=hadith&LINKID=919064لا تحرم المصة والمصتان وفي رواية
nindex.php?page=hadith&LINKID=919065لا تحرم الإملاجة والإملاجتان - والإملاجة : المرة من أملجته ثديها إذا جعلته يملجه أي يمصه - والحديث رواه
مسلم في صحيحه من حديث
عائشة ، وروي عنها أيضا أنها قالت : " كان فيما أنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن . ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن " وقد اختلف علماء السلف والخلف في هذه المسألة ، فذهب بعضهم إلى الأخذ بظاهر الآية من
nindex.php?page=treesubj&link=26417التحريم بقليل الرضاعة ككثيرها ، ويروى هذا عن
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
وقتادة ،
والحكم ،
وحماد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، وهو مذهب
أبي حنيفة ،
ومالك ، ورواية عن
أحمد . وذهب آخرون
[ ص: 386 ] إلى أن التحريم بأقل من خمس رضعات ، ويروى هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=16414وعبد الله بن الزبير ،
وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ، وهو إحدى ثلاث روايات عن
عائشة وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد في ظاهر مذهبه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم . وذهب فريق ثالث إلى قول بين القولين ، وهو أن التحريم إنما يثبت بثلاث رضعات فأكثر ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919064لا تحرم المصة والمصتان فانحصر التحريم فيما زاد عليهما . وروي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور ،
وأبي عبيدة ،
وابن المنذر ،
وداود بن علي ، وهو رواية عن
أحمد . وهنالك مذهب رابع ، وهو أن التحريم لا يثبت إلا بعشر رضعات ، ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة أم المؤمنين ، وهو الرواية الثانية عن
عائشة ، ومذهب خامس وهو أنه لا يثبت بأقل من سبع ، وهو الرواية الثالثة عن
عائشة .
ورواية الخمس هي المعتمدة عن
عائشة ، وعليها العمل عندها ، وبها يقول أكثر أهل الحديث ، ويرون أن العمل بها يجمع بين الأحاديث فيه إلى القول بنسخ شيء منها ، فهي تتفق مع حديث منع تحريم المصتين والإملاجتين ، ويعد تقييدا لنص القرآن وللأحاديث المطلقة كحديث الصحيحين عن
عقبة بن الحارث أنه تزوج
أم يحيى بنت أبي إهاب ، فجاءت أمة سوداء فقالت : قد أرضعتكما ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919066كيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما قالوا : وتقييد بيان لا نسخ ولا تخصيص .
قال الذاهبون إلى الإطلاق أو إلى التحريم بالثلاث فما فوقها : إن
عائشة نقلت رواية الخمس نقل قرآن لا نقل حديث فهي لم تثبت قرآنا ; لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، ولم تثبت سنة فنجعلها بيانا للقرآن ، ولا بد من القول بنسخها لئلا يلزم ضياع شيء من القرآن ، وقد تكفل الله بحفظه ، وانعقد الإجماع على عدم ضياع شيء منه ، والأصل أن ينسخ المدلول بنسخ الدال إلا أن يثبت خلافه ، وعمل
عائشة به ليس حجة على إثباته ، وظاهر الرواية عنها أنها لا تقول بنسخ تلاوته فيكون من هذا الباب ، ويزداد على ذلك أنه لو صح أن ذلك كان قرآنا يتلى لما بقي علمه خاصا
بعائشة ، بل كانت الروايات تكثر فيه ، ويعمل به جماهير الناس ، ويحكم به الخلفاء الراشدون ، وكل ذلك لم يكن بل المروي عن رابع الخلفاء وأول الأئمة الأصفياء القول بالإطلاق كما تقدم . وإذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قد قال بالخمس فلا يبعد أنه أخذ ذلك عنها ، وأما
عبد الله بن الزبير فلا شك في أن قوله بذلك اتباع لها ; لأنها خالته ، ومعلمته ، واتباعه لها لا يزيد قولها قوة ولا يجعله حجة . ثم إن الرواية عنها في ذلك مضطربة ، فاللفظ الذي أوردناه في أول السياق رواه عنها
مسلم - كما تقدم - وكذا
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، وفي رواية
لمسلم " نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ثم نزل أيضا خمس معلومات " وفي رواية
الترمذي " نزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذلك خمس رضعات إلى خمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك "
[ ص: 387 ] وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه " كان فيما أنزل الله - عز وجل - من القرآن ثم سقط : لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس معلومات " فهي لم تبين في شيء من هذه الروايات لفظ القرآن ، ولا السورة التي كان فيها إلا أن يراد برواية
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه أن ذلك لفظ القرآن . وقولها في رواية
الترمذي : " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي والأمر على ذلك " ظاهره أن الحكم ، والعمل كان على ذلك ، وقد علمت أنه ليس عندنا نقل يؤيد ذلك كما أنه ليس عندنا نقل يؤيد الرواية الأخرى القائلة : " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وآية الخمس الرضعات مما يتلى من القرآن " ، ويحتمل أن يراد بالأمر التلاوة ، ولكنه يتبعه الحكم ، والعمل ، وظاهر رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه أن العشر ، والخمس ذكر في آية واحدة ، ووصف الخمس بالمعلومات قال : ثم سقط أي نسخ فبطل حكم الخمس بذلك ، وهذا يخالف مذهبها ، وهو العمل بتحريم الخمس . ولها فيه حديث
سهلة بنت سهيل وسيأتي قريبا ، وفيه أنه واقعة حال ، وأن العدد لا مفهوم له ، وأنه ليس فيه ما يدل على الحصر ، وأنه مخالف لروايتها في حديث الصحيحين
nindex.php?page=hadith&LINKID=919067إنما الرضاعة من المجاعة وستأتي ، وأنه مخالف لما جرى عليه الجماهير سلفا وخلفا ، فلا يعمل به القائلون بالخمس كالشافعية . ووصف الخمس بالمعلومات في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه دون العشر مخالف لما رواه
سالم وأصحاب السنن الثلاثة من وصف العشر بها أيضا ، فإنه لا يصح أن يقال : إن المراد عشر رضعات معلومات ، أو خمس معلومات ; لأن ذكر العشر حينئذ يكون لغوا ، وهو غير جائز فلا بد من تقدير وصف للعشر يتفق مع السياق ويرتضيه الأسلوب . فعلم مما تقدم أن الروايات مضطربة يدل بعضها على بقاء التلاوة ، وبعضها على نسخها ، وبعضها على أن حكم العشر والخمس نزل مرة واحدة في جملة واحدة ، وبعضها على أن حكم العشر نزل أولا ثم تراخى الأمر والعمل عليه حتى نزل حكم الخمس ناسخا لما زاد عليه .
وإذا رجحنا هذا الأخير برواية
مسلم ، والثلاثة له فلا بد أن نقول : إن هذا كان في سياق بيان محرمات النكاح ; لأنه مقامه اللائق به ، ولا يوجد سياق آخر يناسب أن توضع فيه تلك العبارة ثم تحذف منه ، فالأقرب في تصوير ذلك إذا أن يكون أصل الآية ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم عشر رضعات معلومات ) ، ثم نزل بعد طائفة من الزمن عمل فيها الناس بقصر التحريم على عشر - استبدال لفظ " خمس " بلفظ " عشر " ، وبقي الناس يقرءونها هكذا إلى ما بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وإذا سأل سائل لماذا لم تثبت حينئذ في القرآن ؟ أجابه الجامدون على الروايات من غير تمحيص لمعانيها بجوابين : أحدهما ، أنهم لم يثبتوها لأن الذين تلقوها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوفي وهم يتلونها لم يبلغوا عدد التواتر ! .
ولا يبالي أصحاب هذا الجواب بمخالفته لإجماع من يعتد بإجماعهم على عدم ضياع شيء من القرآن ، ولقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ 15 : 9 ] ثانيهما : أنهم
[ ص: 388 ] لم يثبتوها لعلمهم بأنها نسخت . وقول
عائشة : إنها كانت تقرأ يراد به أنه كان يقرؤها من لم يبلغهم النسخ . وهذا الجواب أحسن وأبعد عن مثار الطعن في القرآن برواية آحادية ، ولكنه خلاف المتبادر من الرواية . وإذا قال السائل : إذا صح هذا : فما هي حكمة نسخ العشر بالخمس عند
عائشة ، ومن عمل بروايتها ، ونسخ الخمس أيضا عند من قبل روايتها وادعى أن الخمس نسخت أيضا بنسخ التلاوة لأنه الأصل ، ولم يثبت خلافه ؟ لعل أظهر ما يمكن أن يجاب به عن هذا هو أن الحكمة في هذا هي التدريج في هذا التحريم كما وقع في تحريم الخمر ، بل لا يخطر في البال شيء آخر يمكن أن يقولوه ، وإذا أنصفوا رأوا الفرق بين تحريم الخمر ، وتحريم نكاح الرضاع واسعا جدا ، فإن شرب الخمر يؤثر في العصب تأثيرا يغري الشارب بالعودة إليه حتى يشق عليه تركه فجأة ، ولا كذلك ترك نكاح المرضعة أو بنتها مثلا ، ثم إذا كانت علة التحريم بالرضاعة - وهي كون بعض بنية الرضيع مكونة من اللبن الذي رضعه - تتحقق بالرضعة ، أو الثلاث ، أو الخمس فكيف يجعلها العليم الحكيم عشرا ، ثم خمسا ، كما روي عن
عائشة ، ثم أقل من ذلك كما يقول ذلك من يقبل هذه الرواية عنها ، ويدعي نسخها ؟ وبعد هذا وذاك يقال: من استفاد من هذا التدريج فتزوج من رضع هو منها ، أو بنت من رضع هو منها تسعا ، أو ثماني أو سبعا أو ستا ؟ ثم ماذا فعل هؤلاء بعد نسخ العشر ؟ هل فارقوا أزواجهم ، أم عفي عنهم ، وجعل التحريم بما دون العشر خاصا بغيرهم ؟
الحق أنه لا يظهر لهذا النسخ حكمة ، ولا يتفق مع ما ذكر من العلة ، وإن رد هذه الرواية عن
عائشة لأهون من قبولها مع عدم عمل جمهور من السلف ، والخلف بها كما علمت ، فإن لم نعتمد روايتها فلنا أسوة بمثل
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وبمن قالوا باضطرابها خلافا
للنووي ، وإن لم نعتمد معناها فلنا أسوة بمن ذكرنا من الصحابة والتابعين ومن تبعهم في ذلك كالحنفية وهي عند
مسلم من رواية
عمرة ، عن
عائشة ، أو ليس رد
عمرة ، وعدم الثقة بها أولى من القول بنزول شيء من القرآن لا تظهر له حكمة ، ولا فائدة ، تم نسخه ، أو سقوطه ، أو ضياعه ، فإن
عمرة زعمت أن
عائشة كانت ترى أن الخمس لم تنسخ ، وإذا لا نعتد بروايتها ، وإذا كان الأمر كذلك ، فالمختار
nindex.php?page=treesubj&link=10982_12905التحريم بقليل الرضاع وكثيره إلا المصة والمصتين إذ لا تسمى رضعة في الغذاء ، وبمعناها الإملاجة والإملاجتان ، فإنه من ملج الوليد الثدي إذا مصه وأملجته إياه جعلته يملجه ، فإن رضع رضعة تامة ثبتت بها الحرمة وبهذا يجمع بين الأحاديث .
وَمِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِمُ
nindex.php?page=treesubj&link=12852التَّسَاهُلُ فِي أَمْرِ الرَّضَاعَةِ فَيُرْضِعُونَ الْوَلَدَ مِنَ امْرَأَةٍ ، أَوْ مِنْ عِدَّةِ نِسْوَةٍ ، وَلَا يَعْنُونَ بِمَعْرِفَةِ أَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ وَإِخْوَتِهَا ، وَلَا أَوْلَادِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِهَا وَإِخْوَتِهِ لِيَعْرِفُوا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ كَحُرْمَةِ النِّكَاحِ ، وَحُقُوقِ هَذِهِ الْقَرَابَةِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي جَعَلَهَا الشَّارِعُ كَالنَّسَبِ ، فَكَثِيرًا مَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ أُخْتَهُ ، أَوْ عَمَّتَهُ ، أَوْ خَالَتَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ، وَهُوَ لَا يَدْرِي .
وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ التَّحْرِيمَ يَثْبُتُ بِمَا يُسَمَّى إِرْضَاعًا فِي عُرْفِ أَهْلِ هَذِهِ اللُّغَةِ ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، وَلَكِنْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=919064لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ وَفِي رِوَايَةٍ
nindex.php?page=hadith&LINKID=919065لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ - وَالْإِمْلَاجَةُ : الْمَرَّةُ مِنْ أَمْلَجَتْهُ ثَدْيَهَا إِذَا جَعَلَتْهُ يَمْلُجُهُ أَيْ يَمُصُّهُ - وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ ، وَرُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا أَنَّهَا قَالَتْ : " كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ : عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ . ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ " وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=26417التَّحْرِيمِ بِقَلِيلِ الرَّضَاعَةِ كَكَثِيرِهَا ، وَيُرْوَى هَذَا عَنْ
عَلِيٍّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ،
وَالْحَسَنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيِّ ،
وَقَتَادَةَ ،
وَالْحَكَمِ ،
وَحَمَّادٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ ،
وَمَالِكٍ ، وَرِوَايَةٌ عَنْ
أَحْمَدَ . وَذَهَبَ آخَرُونَ
[ ص: 386 ] إِلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ ، وَيُرْوَى هَذَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16414وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ،
وَعَطَاءٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٍ ، وَهُوَ إِحْدَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ عَنْ
عَائِشَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ،
وَأَحْمَدَ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13064وَابْنِ حَزْمٍ . وَذَهَبَ فَرِيقٌ ثَالِثٌ إِلَى قَوْلٍ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ ، وَهُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ فَأَكْثَرَ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919064لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ فَانْحَصَرَ التَّحْرِيمُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا . وَرُوِيَ هَذَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبِي ثَوْرٍ ،
وَأَبِي عُبَيْدَةَ ،
وَابْنِ الْمُنْذِرِ ،
وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ
أَحْمَدَ . وَهُنَالِكَ مَذْهَبٌ رَابِعٌ ، وَهُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ ، وَيُرْوَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=41حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ
عَائِشَةَ ، وَمَذْهَبٌ خَامِسٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ سَبْعٍ ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ
عَائِشَةَ .
وَرِوَايَةُ الْخَمْسِ هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ عَنْ
عَائِشَةَ ، وَعَلَيْهَا الْعَمَلُ عِنْدَهَا ، وَبِهَا يَقُولُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الْعَمَلَ بِهَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فِيهِ إِلَى الْقَوْلِ بِنَسْخِ شَيْءٍ مِنْهَا ، فَهِيَ تَتَّفِقُ مَعَ حَدِيثِ مَنْعِ تَحْرِيمِ الْمَصَّتَيْنِ وَالْإِمْلَاجَتَيْنِ ، وَيُعَدُّ تَقْيِيدًا لِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلِلْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ
أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ : قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919066كَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا قَالُوا : وَتَقْيِيدُ بَيَانٍ لَا نَسْخَ وَلَا تَخْصِيصَ .
قَالَ الذَّاهِبُونَ إِلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ إِلَى التَّحْرِيمِ بِالثَّلَاثِ فَمَا فَوْقَهَا : إِنَّ
عَائِشَةَ نَقَلَتْ رِوَايَةَ الْخَمْسِ نَقْلَ قُرْآنٍ لَا نَقْلَ حَدِيثٍ فَهِيَ لَمْ تُثْبِتْ قُرْآنًا ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ ، وَلَمْ تُثْبِتْ سُنَّةً فَنَجْعَلُهَا بَيَانًا لِلْقُرْآنِ ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ بِنَسْخِهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ ضَيَاعُ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَقَدْ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِحِفْظِهِ ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ ضَيَاعِ شَيْءٍ مِنْهُ ، وَالْأَصْلُ أَنْ يُنْسَخَ الْمَدْلُولُ بِنَسْخِ الدَّالِّ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ خِلَافُهُ ، وَعَمَلُ
عَائِشَةَ بِهِ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى إِثْبَاتِهِ ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهَا أَنَّهَا لَا تَقُولُ بِنَسْخِ تِلَاوَتِهِ فَيَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ ، وَيَزْدَادُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قُرْآنًا يُتْلَى لَمَا بَقِيَ عِلْمُهُ خَاصًّا
بِعَائِشَةَ ، بَلْ كَانَتِ الرِّوَايَاتُ تَكْثُرُ فِيهِ ، وَيَعْمَلُ بِهِ جَمَاهِيرُ النَّاسِ ، وَيَحْكُمُ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَلِ الْمَرْوِيُّ عَنْ رَابِعِ الْخُلَفَاءِ وَأَوَّلِ الْأَئِمَّةِ الْأَصْفِيَاءِ الْقَوْلُ بِالْإِطْلَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَإِذَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ قَالَ بِالْخَمْسِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْهَا ، وَأَمَّا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ قَوْلَهُ بِذَلِكَ اتِّبَاعٌ لَهَا ; لِأَنَّهَا خَالَتُهُ ، وَمُعَلِّمَتُهُ ، وَاتِّبَاعُهُ لَهَا لَا يَزِيدُ قَوْلَهَا قُوَّةً وَلَا يَجْعَلُهُ حُجَّةً . ثُمَّ إِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهَا فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبَةٌ ، فَاللَّفْظُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي أَوَّلِ السِّيَاقِ رَوَاهُ عَنْهَا
مُسْلِمٌ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَكَذَا
أَبُو دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ، وَفِي رِوَايَةٍ
لِمُسْلِمٍ " نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ " وَفِي رِوَايَةِ
التِّرْمِذِيِّ " نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَنَسَخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ إِلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ "
[ ص: 387 ] وَفِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنِ مَاجَهْ " كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ سَقَطَ : لَا يُحَرِّمُ إِلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ أَوْ خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ " فَهِيَ لَمْ تُبَيِّنْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ لَفْظَ الْقُرْآنِ ، وَلَا السُّورَةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِرِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنِ مَاجَهْ أَنَّ ذَلِكَ لَفْظُ الْقُرْآنِ . وَقَوْلُهَا فِي رِوَايَةِ
التِّرْمِذِيِّ : " إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ " ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ ، وَالْعَمَلَ كَانَ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا نَقْلٌ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا نَقْلٌ يُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى الْقَائِلَةَ : " إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ وَآيَةُ الْخَمْسِ الرَّضَعَاتِ مِمَّا يُتْلَى مِنَ الْقُرْآنِ " ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَمْرِ التِّلَاوَةُ ، وَلَكِنَّهُ يَتْبَعُهُ الْحُكْمُ ، وَالْعَمَلُ ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنِ مَاجَهْ أَنَّ الْعَشْرَ ، وَالْخَمْسَ ذُكِرَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَوَصَفَ الْخَمْسَ بِالْمَعْلُومَاتِ قَالَ : ثُمَّ سَقَطَ أَيْ نُسِخَ فَبَطَلَ حُكْمُ الْخَمْسِ بِذَلِكَ ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهَا ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِتَحْرِيمِ الْخَمْسِ . وَلَهَا فِيهِ حَدِيثُ
سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا ، وَفِيهِ أَنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ ، وَأَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ ، وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَتِهَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=919067إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ وَسَتَأْتِي ، وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ سَلَفًا وَخَلَفًا ، فَلَا يَعْمَلُ بِهِ الْقَائِلُونَ بِالْخَمْسِ كَالشَّافِعِيَّةِ . وَوَصْفُ الْخَمْسِ بِالْمَعْلُومَاتِ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنِ مَاجَهْ دُونَ الْعَشْرِ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ
سَالِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ مِنْ وَصْفِ الْعَشْرِ بِهَا أَيْضًا ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الْمُرَادَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ، أَوْ خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ ; لِأَنَّ ذِكْرَ الْعَشْرِ حِينَئِذٍ يَكُونُ لَغْوًا ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ وَصْفٍ لِلْعَشْرِ يَتَّفِقُ مَعَ السِّيَاقِ وَيَرْتَضِيهِ الْأُسْلُوبُ . فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ مُضْطَرِبَةٌ يَدُلُّ بَعْضُهَا عَلَى بَقَاءِ التِّلَاوَةِ ، وَبَعْضُهَا عَلَى نَسْخِهَا ، وَبَعْضُهَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْعَشْرِ وَالْخَمْسِ نَزَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَبَعْضُهَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْعَشْرِ نَزَلَ أَوَّلًا ثُمَّ تَرَاخَى الْأَمْرُ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى نَزَلَ حُكْمُ الْخَمْسِ نَاسِخًا لِمَا زَادَ عَلَيْهِ .
وَإِذَا رَجَّحْنَا هَذَا الْأَخِيرَ بِرِوَايَةِ
مُسْلِمٍ ، وَالثَّلَاثَةُ لَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ نَقُولَ : إِنَّ هَذَا كَانَ فِي سِيَاقِ بَيَانِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ ; لِأَنَّهُ مَقَامُهُ اللَّائِقُ بِهِ ، وَلَا يُوجَدُ سِيَاقٌ آخَرُ يُنَاسِبُ أَنْ تُوضَعَ فِيهِ تِلْكَ الْعِبَارَةُ ثُمَّ تُحْذَفَ مِنْهُ ، فَالْأَقْرَبُ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ إِذًا أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْآيَةِ ( وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ عَشْرَ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ) ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الزَّمَنِ عَمِلَ فِيهَا النَّاسُ بِقَصْرِ التَّحْرِيمِ عَلَى عَشْرٍ - اسْتِبْدَالُ لَفْظِ " خَمْسٍ " بِلَفْظِ " عَشْرٍ " ، وَبَقِيَ النَّاسُ يَقْرَءُونَهَا هَكَذَا إِلَى مَا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَإِذَا سَأَلَ سَائِلٌ لِمَاذَا لَمْ تَثْبُتْ حِينَئِذٍ فِي الْقُرْآنِ ؟ أَجَابَهُ الْجَامِدُونَ عَلَى الرِّوَايَاتِ مِنْ غَيْرِ تَمْحِيصٍ لِمَعَانِيهَا بِجَوَابَيْنِ : أَحَدُهُمَا ، أَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوهَا لِأَنَّ الَّذِينَ تَلَقَّوْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُوُفِّيَ وَهُمْ يَتْلُونَهَا لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ ! .
وَلَا يُبَالِي أَصْحَابُ هَذَا الْجَوَابِ بِمُخَالَفَتِهِ لِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى عَدَمِ ضَيَاعِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ 15 : 9 ] ثَانِيهِمَا : أَنَّهُمْ
[ ص: 388 ] لَمْ يُثْبِتُوهَا لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا نُسِخَتْ . وَقَوْلُ
عَائِشَةَ : إِنَّهَا كَانَتْ تُقْرَأُ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّسْخُ . وَهَذَا الْجَوَابُ أَحْسَنُ وَأَبْعَدُ عَنْ مَثَارِ الطَّعْنِ فِي الْقُرْآنِ بِرِوَايَةٍ آحَادِيَّةٍ ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ مِنَ الرِّوَايَةِ . وَإِذَا قَالَ السَّائِلُ : إِذَا صَحَّ هَذَا : فَمَا هِيَ حِكْمَةُ نَسْخِ الْعَشْرِ بِالْخَمْسِ عِنْدَ
عَائِشَةَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِرِوَايَتِهَا ، وَنَسْخِ الْخَمْسِ أَيْضًا عِنْدَ مَنْ قَبِلَ رِوَايَتَهَا وَادَّعَى أَنَّ الْخَمْسَ نُسِخَتْ أَيْضًا بِنَسْخِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ ؟ لَعَلَّ أَظْهَرَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِهِ عَنْ هَذَا هُوَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي هَذَا هِيَ التَّدْرِيجُ فِي هَذَا التَّحْرِيمِ كَمَا وَقَعَ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ ، بَلْ لَا يَخْطُرُ فِي الْبَالِ شَيْءٌ آخَرُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولُوهُ ، وَإِذَا أَنْصَفُوا رَأَوُا الْفَرْقَ بَيْنَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ ، وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الرَّضَاعِ وَاسِعًا جِدًّا ، فَإِنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ يُؤَثِّرُ فِي الْعَصَبِ تَأْثِيرًا يُغْرِي الشَّارِبَ بِالْعَوْدَةِ إِلَيْهِ حَتَّى يَشُقَّ عَلَيْهِ تَرْكُهُ فَجْأَةً ، وَلَا كَذَلِكَ تَرْكُ نِكَاحِ الْمُرْضِعَةِ أَوْ بِنْتِهَا مَثَلًا ، ثُمَّ إِذَا كَانَتْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعَةِ - وَهِيَ كَوْنُ بَعْضِ بِنْيَةِ الرَّضِيعِ مُكَوَّنَةً مِنَ اللَّبَنِ الَّذِي رَضَعَهُ - تَتَحَقَّقُ بِالرَّضْعَةِ ، أَوِ الثَّلَاثِ ، أَوِ الْخَمْسِ فَكَيْفَ يَجْعَلُهَا الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ عَشْرًا ، ثُمَّ خَمْسًا ، كَمَا رُوِيَ عَنْ
عَائِشَةَ ، ثُمَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقْبَلُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهَا ، وَيَدَّعِي نَسْخَهَا ؟ وَبَعْدَ هَذَا وَذَاكَ يُقَالُ: مَنِ اسْتَفَادَ مِنْ هَذَا التَّدْرِيجِ فَتَزَوَّجَ مَنْ رَضَعَ هُوَ مِنْهَا ، أَوْ بِنْتَ مَنْ رَضَعَ هُوَ مِنْهَا تِسْعًا ، أَوْ ثَمَانِيَ أَوْ سَبْعًا أَوْ سِتًّا ؟ ثُمَّ مَاذَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ بَعْدَ نَسْخِ الْعَشْرِ ؟ هَلْ فَارَقُوا أَزْوَاجَهُمْ ، أَمْ عُفِيَ عَنْهُمْ ، وَجُعِلَ التَّحْرِيمُ بِمَا دُونَ الْعَشْرِ خَاصًّا بِغَيْرِهِمْ ؟
الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ لِهَذَا النَّسْخِ حِكْمَةٌ ، وَلَا يَتَّفِقُ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْعِلَّةِ ، وَإِنَّ رَدَّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ
عَائِشَةَ لَأَهْوَنُ مِنْ قَبُولِهَا مَعَ عَدَمِ عَمَلِ جُمْهُورٍ مِنَ السَّلَفِ ، وَالْخَلَفِ بِهَا كَمَا عَلِمْتَ ، فَإِنْ لَمْ نَعْتَمِدْ رِوَايَتَهَا فَلَنَا أُسْوَةٌ بِمِثْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، وَبِمَنْ قَالُوا بِاضْطِرَابِهَا خِلَافًا
لِلنَّوَوِيِّ ، وَإِنْ لَمْ نَعْتَمِدْ مَعْنَاهَا فَلَنَا أُسْوَةٌ بِمَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْحَنَفِيَّةِ وَهِيَ عِنْدَ
مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ
عَمْرَةَ ، عَنْ
عَائِشَةَ ، أَوَ لَيْسَ رَدُّ
عَمْرَةَ ، وَعَدَمُ الثِّقَةِ بِهَا أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِنُزُولِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَا تَظْهَرُ لَهُ حِكْمَةٌ ، وَلَا فَائِدَةٌ ، تَمَّ نَسْخُهُ ، أَوْ سُقُوطُهُ ، أَوْ ضَيَاعُهُ ، فَإِنَّ
عَمْرَةَ زَعَمَتْ أَنَّ
عَائِشَةَ كَانَتْ تَرَى أَنَّ الْخَمْسَ لَمْ تُنْسَخْ ، وَإِذًا لَا نَعْتَدُّ بِرِوَايَتِهَا ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، فَالْمُخْتَارُ
nindex.php?page=treesubj&link=10982_12905التَّحْرِيمُ بِقَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ إِلَّا الْمَصَّةَ وَالْمَصَّتَيْنِ إِذْ لَا تُسَمَّى رَضْعَةً فِي الْغِذَاءِ ، وَبِمَعْنَاهَا الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ ، فَإِنَّهُ مِنْ مَلْجِ الْوَلِيدِ الثَّدْيَ إِذَا مَصَّهُ وَأَمْلَجَتْهُ إِيَّاهُ جَعَلَتْهُ يَمْلُجُهُ ، فَإِنْ رَضَعَ رَضْعَةً تَامَّةً ثَبَتَتْ بِهَا الْحُرْمَةُ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ .