( ) : سنته - تعالى - في جعل العاقبة للمتقين
( الشاهد السابع ) قوله - تعالى - : - إن العاقبة للمتقين - 49 هو الأساس الأعظم لسنن الاجتماع في فوز الجماعات الدينية والسياسية والشعوب والأمم في مقاصدها ، وغلبها على خصومها ومناوئيها ، كما أنه هو الأساس الراسخ لفوز الأفراد في أعمالهم الدينية والدنيوية من مالية واجتماعية ، فهذه الجملة البليغة آية من آيات كتاب الله الكبرى في جمع الحقائق الكثيرة ، في المقاصد المختلفة في كلمة وجيزة ، ولئن سألت أكثر علماء الدين في الأزهر وأمثاله ، ممن لا بضاعة لهم في علم القرآن إلا مثل تفسير البيضاوي وما دونه كالجلالين وحواشيه وكذا تفسير الألوسي الجامع لخلاصة هذه التفاسير ، فقلت لهم : ما معنى كون " العاقبة للمتقين " ؟ وما التقوى التي جعلها هذا النص علة لكون العاقبة لهم على قاعدتكم في تعليق الحكم على المشتق ؟ ليقولن أوسعهم اطلاعا : إن التقوى فعل الطاعات وترك المعاصي ، أو امتثال [ ص: 201 ] الأوامر واجتناب النواهي ، وأن الله وعد هؤلاء بحسن الجزاء في الدنيا والآخرة ، وهذا تفسير مجمل مبهم يمكن اختصاره بأن تقول : المتقون هم المسلمون الصالحون ، وماذا عسى أن يقول قارئوا هذه التفاسير على قلتهم غير هذا أو ما في معناه ، وقد قصر كل مؤلفيها فيما يجب من البيان التفصيلي لها في تقوى الأفراد والجماعات وتقوى الأمة ؟ فإنه لم يشر أحد منهم إلى معناها العام ، وهو اتقاء كل ما يفسد العقائد والأخلاق والروابط الخاصة والعامة ، وتحري ما يصلحها بهدي الكتاب والسنة ، وما أرشد إليه من سنن الله - تعالى - في حياة الأمم وموتها ، وقوتها وضعفها ، وبقاء دولها وزوالها ، وكون هذه السنن مطردة في جميع الشئون العامة من منزلية ومدنية ومالية وحربية وسياسية ، لا تبديل لها ولا تحويل ، ولا محاباة فيها بين أهل الملل والنحل ، وبهذا كله تكون العاقبة المرجوة لهم في السيادة والسعادة . وقد بينا هذا المعنى في مواضع من هذا التفسير لعل أجمعها وأدقها بالإجمال تفسير قوله - تعالى - : يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا 8 : 29 الآية ، ومن التفصيل له ما ترمي في هذه الشواهد .