قوله تعالى : وللآخرة خير لك من الأولى
" خير " تأتي مصدرا كقوله : " إن ترك خيرا " [ 2 \ 180 ] أي : مالا كثيرا ، وتأتي أفعل تفضيل محذوفة الهمزة ، وهي هنا أفعل تفضيل بدليل ذكر المقابل ، وذكر حرف " من " ، مما يدل على أنه سبحانه أعطاه في الدنيا خيرات كثيرة ، ولكن ما يكون له في الآخرة فهو خير وأفضل مما أعطاه في الدنيا ، ويوهم أن الآخرة خير له - صلى الله عليه وسلم - وحده من الأولى ، ولكن جاء النص كدليل ذكر المقابل ، وذكر حرف " من " ، مما يدل على أنه سبحانه أعطاه في الدنيا خيرات كثيرة ، ولكن ما يكون له في الآخرة فهو خير وأفضل مما أعطاه في الدنيا ، ويوهم أن الآخرة خير له - صلى الله عليه وسلم - وحده من الأولى ، ولكن جاء النص على أنها خير للأبرار جميعا ، وهو قوله تعالى : وما عند الله خير للأبرار [ 3 \ 198 ] .
وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان الخيرية للأبرار عند الله ، أي : يوم القيامة بما أعد لهم ، كما في قوله : إن الأبرار لفي نعيم [ 82 \ 13 ] ، وقوله : إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا [ 76 \ 5 ] .
أما بيان الخيرية هنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبيان الخير في الدنيا أولا ، ثم بيان الأفضل منه في الآخرة .
أما في الدنيا المدلول عليه بأفعل التفضيل ، أي : لدلالته على اشتراك الأمرين في الوصف ، وزيادة أحدهما على الآخر ، فقد أشار إليه في هذه السورة والتي بعدها ، ففي هذه السورة قوله تعالى : ألم يجدك يتيما فآوى [ 93 \ 6 ] ، أي : منذ ولادته ونشأته ، ولقد تعهده الله سبحانه من صغره فصانه عن دنس الشرك ، وطهره وشق صدره ونقاه ، وكان رغم يتمه سيد شباب قريش ، حيث قال عمه عند خطبته لزواجه بها ، فقال : " فتى لا يعادله فتى من خديجة قريش ، حلما وعقلا وخلقا ، إلا رجح عليه " .
وقوله : ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى [ 93 \ 7 - 8 ] .
على ما سيأتي بيانه كله ، فهي نعم يعددها تعالى عليه ، وهي من أعظم خيرات الدنيا [ ص: 558 ] من صغره إلى شبابه وكبره ، ثم اصطفائه بالرسالة ، ثم حفظه من الناس ، ثم نصره على الأعداء ، وإظهار دينه وإعلاء كلمته .
ومن الناحية المعنوية ما جاء في السورة بعدها : ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك [ 94 \ 1 - 4 ] .
أما خيرية الآخرة على الأولى ، فعلى حد قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى [ 93 \ 5 ] ، وليس بعد الرضى مطلب ، وفي الجملة : فإن الأولى دار عمل وتكليف وجهاد ، والآخرة دار جزاء وثواب وإكرام ، فهي لا شك أفضل من الأولى .