[ ص: 366 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النور
قوله تعالى : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ظاهر هذه الآية الكريمة أن ; لأن الألف واللام في قوله : كل زانية وكل زان يجب جلد كل واحد منهما مائة جلدة الزانية والزاني ، إن قلنا : إنهما موصول وصلتهما الوصف الذي هو اسم الفاعل الذي هو الزانية والزاني ، فالموصولات من صيغ العموم .
وإن قلنا : إنهما للتعريف لتناسي الوصفية ، وأن مرتكب تلك الفاحشة يطلق عليه اسم الزاني ، كإطلاق أسماء الأجناس ، فإن ذلك يفيد الاستغراق ، فالعموم الشامل لكل زانية وكل زان ، هو ظاهر الآية ، على جميع الاحتمالات .
وظاهر هذا العموم شموله للعبد ، والحر ، والأمة ، والحرة ، والبكر ، والمحصن من الرجال والنساء .
وظاهره أيضا : أنه لا تغرب الزانية ، ولا الزاني عاما مع الجلد ، ولكن بعض الآيات القرآنية دل على أن عموم الزانية يخصص مرتين .
إحداهما : تخصيص حكم جلدها مائة بكونها حرة ، أما وهو خمسون ، وذلك في قوله تعالى في الإماء : إن كانت أمة ، فإنها تجلد نصف المائة فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ 4 \ 25 ] ، والمراد بالمحصنات هنا : الحرائر والعذاب الجلد ، وهو بالنسبة إلى الحرة الزانية : مائة جلدة والأمة عليها نصفه بنص آية " النساء " هذه ، وهو خمسون ; فآية فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ 4 \ 25 ] ، مخصصة لعموم قوله : الزانية والزاني ، بالنسبة إلى الزانية الأنثى .
وأما التخصيص المرة الثانية لعموم الزانية في آية " النور " هذه فهو بآية منسوخة التلاوة ، باقية الحكم ، تقتضي أن عموم الزانية هنا مخصص بكونها بكرا .
[ ص: 367 ] أما إن كانت محصنة ، بمعنى أنها قد فإنها ترجم . تزوجت من قبل الزنى ، وجامعها زوجها في نكاح صحيح
والآية التي خصصتها بهذا الحكم الذي ذكرنا أنها منسوخة التلاوة باقية الحكم ، هي قوله تعالى : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله ، والله عزيز حكيم ) .
وهذا التخصيص إنما هو على قول من يقول : لا يجمع للزاني المحصن ، بين الجلد والرجم ، وإنما يرجم فقط بدون جلد .
أما على قول من يرى الجمع بينهما فلا تخصيص ، وإنما في آية الرجم زيادته على الجلد ، فكلتا الآيتين أثبتت حكما لم تثبته الأخرى ، وسيأتي إيضاح هذا إن شاء الله غير بعيد وأقوال أهل العلم فيه ومناقشة أدلتهم .
أما الزاني الذكر فقد دلت الآية التي ذكرنا ، أنها منسوخة التلاوة باقية الحكم على تخصيص عمومه ، وأن الذي يجلد المائة من الذكور ، إنما هو الزاني البكر ، وأما المحصن فإنه يرجم ، وهذا التخصيص في الذكر أيضا إنما هو على قول من لا يرى ; كما أوضحناه قريبا في الأنثى . الجمع بين الجلد والرجم
وأما على قول من يرى الجمع بينهما فلا تخصيص ، بل كل واحدة من الآيتين أثبتت حكما لم تثبته الأخرى .
وعموم الزاني في آية " النور " هذه ، مخصص عند الجمهور أيضا مرة أخرى ، بكون جلد المائة خاصا بالزاني الحر ، أما الزاني الذكر العبد فإنه يجلد نصف المائة ، وهو الخمسون .
ووجه هذا التخصيص : إلحاق العبد بالأمة في تشطير حد الزنى بالرق ; لأن مناط التشطير الرق بلا شك ; لأن الذكورة والأنوثة بالنسبة إلى الحدود وصفان طرديان ، لا يترتب عليهما حكم ، فدل قوله تعالى في آية " النساء " في الإماء : فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ 4 \ 25 ] ، أن الرق مناط تشطير حد الزنى ، إذ ، فالمخصص لعموم الزاني في الحقيقة ، هو ما أفادته آية : لا فرق بين الذكر والأنثى في الحدود فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، وإن سماه الأصوليون تخصيصا بالقياس ، فهو في الحقيقة تخصيص آية بما فهم من آية أخرى .