إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية إن قوله تعالى ومن قبله لما شمل قوم نوح وهم أول الأمم كذبوا الرسل [ ص: 123 ] حسن اقتضاب التذكير بأخذهم لما فيه من إدماج امتنان على جميع الناس الذين تناسلوا من الفئة الذين نجاهم الله من الغرق ليتخلص من كونه عظة وعبرة إلى التذكير بأنه نعمة ، وهذا من قبيل الإدماج .
وقد بني على شهرة مهلك قوم نوح اعتباره كالمذكور في الكلام فجعل شرطا ل ( لما ) في قوله إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية ، أي في ذلك الوقت المعروف بطغيان الطوفان .
والطغيان : مستعار لشدته الخارقة للعادة تشبيها لها بطغيان الطاغي على الناس تشبيه تقريب فإن الطوفان أقوى شدة من طغيان الطاغي .
والجارية : صفة لمحذوف وهو السفينة ، وقد شاع هذا الوصف حتى صار بمنزلة الاسم قال تعالى ( وله الجوار المنشئات في البحر ) .
وأصل الحمل وضع جسم فوق جسم لنقله ، وأطلق هنا على الوضع في ظرف متنقل على وجه الاستعارة .
وإسناد الحمل إلى اسم الجلالة مجاز عقلي بناء على أنه أوحى إلى نوح بصنع الحاملة ووضع المحمول قال تعالى فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين الآية .
وذكر إحدى الحكم والعلل لهذا الحمل وهي حكمة تذكير البشر به على تعاقب الأعصار ليكون لهم باعثا على الشكر ، وعظة لهم من أسواء الكفر ، وليخبر بها من علمها قوما لم يعلموها فتعيها أسماعهم .
والمراد بأذن : آذان واعية . وعموم النكرة في سياق الإثبات لا يستفاد إلا بقرينة التعميم كقوله تعالى ولتنظر نفس ما قدمت لغد .
والوعي : العلم بالمسموعات ، أي ولتعلم خبرها أذن موصوفة بالوعي ، أي من شأنها أن تعي .
وهذا تعريض بالمشركين إذ لم يتعظوا بخبر الطوفان والسفينة التي نجا بها المؤمنون فتلقوه كما يتلقون القصص الفكاهية .