قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين إيماء إلى أنهم يترقبهم عذاب الجوع بالقحط والجفاف فإن مكة قليلة المياه ولم تكن بها عيون ولا آبار قبل زمزم ، كما دل عليه خبر تعجب القافلة من جرهم التي مرت بموضع مكة حين أسكنها إبراهيم - عليه السلام - هاجر بابنه إسماعيل ففجر الله لها زمزم ولمحت القافلة الطير تحوم حول مكانها فقالوا : ما عهدنا بهذه الأرض ماء ، ثم حفر ميمون بن خالد الحضرمي بأعلاها بئرا تسمى بئر ميمون في عهد الجاهلية قبيل البعثة ، وكانت بها بئر أخرى تسمى الجفر بالجيم لبني تيم بن مرة ، وبئر تسمى الجم ذكرها ابن عطية وأهملها القاموس وتاجه ، ولعل هاتين البئرين الأخيرتين لم تكونا في عهد النبيء - صلى الله عليه وسلم - .
فماء هذه الآبار هو الماء الذي أنذروا به بأنه يصبح غورا ، وهذا الإنذار نظير الواقع في سورة القلم إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إلى قوله لو كانوا يعلمون .
والغور : مصدر غارت البئر ، إذا نزح ماؤها فلم تنله الدلاء .
والمراد : ماء البير كما في قوله أو يصبح ماؤها غورا في ذكر جنة سورة الكهف .
[ ص: 56 ] وأصل الغور : ذهاب الماء في الأرض ، مصدر غار الماء إذا ذهب في الأرض . والإخبار به عن الماء من باب الوصف بالمصدر للمبالغة مثل : عدل ، ورضى . والمعين : الظاهر على وجه الأرض ، والبئر المعينة : القريبة الماء على وجه التشبيه .
والاستفهام في قوله فمن يأتيكم بماء استفهام إنكاري ، أي لا يأتيكم أحد بماء معين : أي غير الله ، وأكتفي عن ذكره لظهوره من سياق الكلام ومن قوله قبله أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن الآيتين .
وقد أصيبوا بقحط شديد بعد خروج النبيء - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وهو المشار إليه في سورة الدخان . ومن المعلوم أن انحباس المطر يتبعه غور مياه الآبار لأن استمدادها من الماء النازل على الأرض ، قال تعالى ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض وقال وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء .
ومن النوادر المتعلقة بهذه الآية ما أشار إليه في الكشاف مع ما نقل عنه في بيانه ، قال : وعن بعض الشطار هو كما بينه المصنف فيما نقل عنه أنها أي هذه الآية تليت عنده فقال تجيء به ( أي الماء ) الفئوس والمعاول فذهب ماء عينيه . نعوذ بالله من الجرأة على الله وعلى آياته . والله أعلم . محمد بن زكرياء الطبيب