- صلى الله عليه وسلم - وهلاك من معه من المسلمين ، وقد حكى القرآن عنهم كان من بذاءة المشركين أن يجهروا بتمني هلاك رسول الله أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون وحكي عن بعضهم ويتربص بكم الدوائر ، وكانوا يتآمرون على قتله ، قال تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك فأمره الله بأن يعرفهم حقيقة تدحض أمانيهم ، وهي أن موت أحد أو حياته لا يغني عن غيره ما جره إليه عمله ، وقد جرت إليهم أعمالهم غضب الله ووعيده فهو نائلهم حيي الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو بادره المنون ، قال تعالى فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون وقال أفإن مت فهم الخالدون وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وقال إنك ميت وإنهم ميتون أي المشركين ، وقد تكرر هذا المعنى وما يقاربه في القرآن وينسب إلى : الشافعي
تمنى رجال أن أموت فإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحـد
[ ص: 52 ] فقد يكون نزول هذه الآيات السابقة صادف مقالة من مقالاتهم هذه فنزلت الآية في أثنائها وقد يكون نزولها لمناسبة حكاية قولهم متى هذا الوعد بأن قارنه كلام بذيء ، مثل أن يقولوا : أبعد هلاكك يأتي الوعد .والإهلاك : الإماتة ، ومقابلة ( أهلكني ) ب ( رحمنا ) يدل على أن المراد : أو رحمنا بالحياة ، فيفيد أن الحياة رحمة ، وأن تأخير الأجل من النعم ، وإنما لم يؤخر الله أجل نبيئه - صلى الله عليه وسلم - مع أنه أشرف الرسل لحكم أرادها كما دل عليه قوله ( ) ، ولعل حكمة ذلك أن الله أكمل الدين الذي أراد إبلاغه فكان إكماله يوم الحج الأكبر من سنة ثلاث وعشرين من البعثة ، وكان استمرار نزول الوحي على النبيء - صلى الله عليه وسلم - خصيصية خصه الله بها من بين الأنبياء ، فلما أتم الله دينه ربا برسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبقى غير متصل بنزول الوحي فنقله الله إلى الاتصال بالرفيق الأعلى مباشرة بلا واسطة ، وقد أشارت إلى هذا سورة حياتي خير لكم وموتي خير لكم إذا جاء نصر الله من قوله ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره ولله در عبد بني الحسحاس في عبرته بقوله :
رأيت المنايا لم يدعن محمـدا ولا باقيا إلا له الموت مرصدا
وإنما سمى الحياة رحمة له ولمن معه ؛ لأن في حياته نعمة له وللناس ما دام الله مقدرا حياته ، وحياة المؤمن رحمة لأنه تكثر له فيها بركة الإيمان والأعمال الصالحة .
والاستفهام في ( أرأيتم ) إنكاري أنكر اندفاعهم إلى أمنيات ورغائب لا يجتنون منها نفعا ولكنها مما تمليه عليهم النفوس الخبيثة من الحقد والحسد .
والرؤية علمية ، وفعلها معلق عن العمل فلذلك لم يرد بعده مفعولاه ، وهو معلق بالاستفهام الذي هو في جملة جواب الشرط ، فتقدير الكلام : أرأيتم أنفسكم ناجين من عذاب أليم إن هلكت وهلك من معي ، فهلاكنا لا يدفع عنكم العذاب المعد للكافرين .
[ ص: 53 ] وأقحم الشرط بين فعل الرؤيا وما سد مسد مفعوليه .
والفاء في قوله فمن يأتيكم رابطة لجواب الشرط لأنه لما وقع بعد ما أصله المبتدأ والخبر وهو المفعولان المقدران رجح جانب الشرط .
والمعية في قوله ( ومن معي ) معية مجازية ، وهي الموافقة والمشاركة في الاعتقاد والدين ، كما في قوله تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار الآية ، أي الذين آمنوا معه ، وقوله والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم ، كما أطلقت الموافقة على الرأي والفهم في قول أنا مع ابن أخي يعني موافق أبي هريرة وذلك حين اختلف لأبي سلمة بن عبد الرحمن ، أبو سلمة في المتوفى عنها الحامل إذا وضعت حملها قبل مضي عدة الوفاة . وابن عباس
والاستفهام بقوله فمن يجير الكافرين إلخ إنكاري ، أي لا يجيرهم منه مجير ، أي أظننتم أن تجدوا مجيرا لكم إذا هلكنا فذلك متعذر فماذا ينفعكم هلاكنا !
والعذاب المذكور هنا ما عبر عنه بالوعد في الآية قبلها .
وتنكير عذاب للتهويل .
والمراد ب ( الكافرين ) جميع الكافرين فيشمل المخاطبين .
والكلام بمنزلة التذييل ، وفيه حذف ، تقديره : من يجيركم من عذاب فإنكم كافرون ولا مجير للكافرين .
وذكر وصف ( الكافرين ) لما فيه من الإيماء إلى علة الحكم لأنه وصف إذا علق به حكم أفاد تعليل ما منه اشتقاق الوصف .
وقرأ الجمهور بفتحة على ياء ( أهلكني ) ، وقرأها حمزة بإسكان الياء .
وقرأ الجمهور ياء ( معي ) بفتحة . وقرأها أبو بكر عن عاصم وحمزة بسكون الياء . والكسائي