ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
لما كان الوعيد مؤذنا بإمهالهم قليلا كما قال تعالى ومهلهم قليلا كما دل عليه حرف التنفيس في قوله تعالى فسوف يعلمون طمأن الله نبيه [ ص: 91 ] - صلى الله عليه وسلم - بأنه مطلع على تحرجه من أذاهم وبهتانهم من أقوال الشرك وأقوال الاستهزاء فأمره بالثبات والتفويض إلى ربه ; لأن الحكمة في إمهالهم ، ولذلك افتتحت الجملة بلام القسم وحرف التحقيق .
وليس المخاطب ممن يداخله الشك في خبر الله تعالى ، ولكن التحقيق كناية عن الاهتمام بالمخبر ، وأنه بمحل العناية من الله; فالجملة معطوفة على جملة إنا كفيناك المستهزئين أو حال .
وضيق الصدر : مجاز عن كدر النفس ، وقد تقدم في قوله تعالى وضائق به صدرك في سورة هود .
وفرع على جملة ( ولقد نعلم ) أمره بتسبيح الله تعالى وتنزيهه عما يقولونه من نسبة الشريك ، أي عليك بتنزيه ربك فلا يضرك شركهم ، على أن التسبيح قد يستعمل في معناه الكنائي مع معناه الأصلي فيفيد الإنكار على المشركين فيما يقولون ، أي فاقتصر في دفعهم على إنكار كلامهم ، وهذا مثل قوله تعالى قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا .
والباء في ( بحمد ربك ) للمصاحبة ، والتقدير : فسبح ربك بحمده; فحذف من الأول لدلالة الثاني ، بقول : سبحان الله . وتسبيح الله تنزيهه
والأمر في وكن من الساجدين واعبد ربك مستعملان في طلب الدوام .
و ( من الساجدين ) أبلغ في الاتصاف بالسجود من ( ساجدا ) كما تقدم في قوله تعالى وكونوا مع الصادقين في سورة براءة ، وقوله قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين في سورة البقرة ونظائرهما .
والساجدون : هم المصلون ، فالمعنى : ودم على الصلاة أنت ومن معك .
وليس هذا موضع سجدة من سجود التلاوة عند أحد من فقهاء المسلمين ، وفي تفسير القرطبي عن أبي بكر النقاش أن أبا حذيفة - لعله يعني به أبا حذيفة اليمان [ ص: 92 ] ابن المغيرة البصري من أصحاب عكرمة - وكان منكر الحديث واليمان بن رئاب كذا رأياها سجدة تلاوة واجبة .
قال ابن العربي شاهدت الإمام بمحراب زكرياء من البيت المقدس سجد في هذا الموضع حين قراءته في تراويح رمضان وسجدت معه فيها ، وسجود الإمام عجيب ، وسجود معه أعجب ; للإجماع على أنه لا سجدة هنا ، فالسجود فيها يعد زيادة ، وهي بدعة لا محالة . أبي بكر بن العربي
واليقين : المقطوع به الذي لا شك فيه وهو النصر الذي وعده الله به .