الخليفة ، أبو العباس ، وقيل : أبو جعفر ، أحمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم أبي إسحاق بن الرشيد ، الهاشمي العباسي السامري . وأمه رومية اسمها فتيان .
ولد سنة تسع وعشرين ومائتين .
قال ابن أبي الدنيا : كان أسمر ، رقيق اللون ، أعين جميلا ، خفيف اللحية .
قلت : استخلف بعد قتل المهتدي بالله في سادس عشر رجب سنة ست وخمسين ومائتين .
وقدم موسى بن بغا بعد أربعة أيام إلى سامراء ، وخمدت الفتنة ، وكان في حبس المهتدي بالجوسق ، فأخرجوه وبايعوه ، فضيق المعتمد على عيال المهتدي ، واستعمل أخاه أبا أحمد الموفق على سائر المشرق ، وعقد بولاية العهد لابنه جعفر ، ولقبه المفوض إلى الله ، واستعمله على مصر والمغرب ، وانهمك في اللهو واللعب ، واشتغل عن الرعية ، فكرهوه ، [ ص: 541 ] وأحبوا أخاه الموفق .
وفي رجب أيضا استولت الزنج على البصرة والأبلة والأهواز ، وقتلوا وسبوا ، وهم عبيد العوام ، وغوغاء الأنذال الملتفين على الخبيث . وقام بالكوفة علي بن زيد العلوي ، واستفحل أمره ، وهزم جيش الخليفة . وظهر أخوه حسن بن زيد بالري ، فسار لحربه موسى بن بغا . وحج بالناس محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور العباسي . ونودي على صالح بن وصيف المختفي : من جاء به فله عشرة آلاف دينار . فاتفق أن غلاما دخل دربا فرأى بابا مفتوحا ، فمشى في الدهليز ، فرأى صالحا نائما ، فعرفه ، فأسرع إلى موسى بن بغا ، فأخبره ، فبعث جماعة أحضروه ، وذهبوا به مكشوف الرأس إلى الجوسق ، فبدره تركي من ورائه فأثبته ، واحتزوا رأسه قبل مقتل المهتدي ، بيسير . فقال : رحم الله صالحا ، فلقد كان ناصحا .
وأما الصولي : فقال : بل عذبوه في حمام ، كما هو فعل بالمعتز ، حتى أقر بالأموال ، ثم خنق .
وقتلت الزنج بالأبلة نحو ثلاثين ألفا فحاربهم سعيد الحاجب ، ثم قووا عليه ، وقتلوا خلقا من جنده ، وتمت بينهم وبين العسكر وقعات .
وفيها قتل ميخائيل بن توفيل طاغية الروم ، قتله بسيل الصقلبي . فكان دولة ميخائيل أربعا وعشرين سنة . [ ص: 542 ]
وفي سنة 258 جرت وقعة بين الزنج ، وبين العسكر ، فانهزم العسكر ، وقتل قائدهم منصور ، ثم نهض أبو أحمد الموفق ومفلح في عسكر عظيم إلى الغاية لحرب الخبيث ، فانهزم جيشه ، ثم تهيأ وجمع الجيوش ، وأقبل فتمت ملحمة لم يسمع بمثلها . وظهر المسلمون ، ثم قتل مقدمهم مفلح ، فانهزم الناس ، واستباحهم الزنج ، وفر الموفق إلى الأبلة ، وتراجعت إليه العساكر . ثم التقى الزنج فانتصر ، وأسر طاغيتهم يحيى . وبعث به إلى سامراء فذبح ، ووقع الوباء ، فمات خلائق . ثم التقى الموفق الزنج فانكسر ، وقتل خلق من جيشه ، وتحيز هو في طائفة ، وعظم البلاء . وكاد الخبيث أن يملك الدنيا ، وكان كذابا ممخرقا ماكرا شجاعا داهية ، ادعى أنه بعث إلى الخلق ، فرد الرسالة . وكان يدعي علم الغيب ، لعنه الله .
ودخلت سنة تسع ، فعرض الموفق جيشه بواسط ، وأما الخبيث فدخل البطائح ، وبثق حوله الأنهار وتحصن ، فهجم عليه الموفق ، وأحرق وقتل فيهم ، واستنقذ من السبايا ، ورد إلى بغداد ، فسار خبيث الزنج إلى الأهواز ، فوضع السيف ، وقتل نحوا من خمسين ألفا ، وسبى أربعين ألفا ، فسار لحربه موسى بن بغا فتحاربا بضعة عشر شهرا ، وذهب تحت السيف خلائق من الفريقين . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وفيها عصى كنجور ، فسار لحربه عدة أمراء ، فأسر وذبح . وأقبلت الروم ، فنازلوا ملطية وسميساط ، فبرز القابوس بأهل ملطية ، فهزم الروم ، وقتل مقدمهم . [ ص: 543 ]
وفيها تملك يعقوب الصفار نيسابور ، وركب إلى خدمته نائبها محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر ، فعنفه وسبه ، واعتقله ، فبعث المعتمد يلوم الصفار ، ويأمره بالانصراف إلى ولايته ، فأبى ، واستولى على الإقليم ، ودانت له البلاد .
وفي سنة ستين التقى الصفار فانهزم الحسن بن زيد العلوي العلوي ، ودخل الصفار طبرستان والديلم ، واحتمى العلوي بالجبال ، فتبعه الصفار ، فهلك خلق من جيشه بالثلج ، ووقع الغلاء ، وأبيع ببغداد الكر بمائة وخمسين دينارا . وأخذت الروم مدينة لؤلؤة .
وفي سنة 261 مالت الديلم إلى الصفار ونابذوا العلوي ، فصار إلى كرمان .
وأما الزنج فحروبهم متتالية ، وسار يعقوب الصفار إلى فارس ، فالتقى هو وابن واصل ، فهزمه الصفار ، وأخذ له من قلعته أربعين ألف ألف درهم . وأعيا المعتمد شأن الصفار ، وحار ، فلان له ، وبعث إليه بالخلع وبولاية خراسان وجرجان ، فلم يرض بذلك ، حتى يجيء إلى سامراء ، وأضمر الشر ، فتحول المعتمد إلى بغداد ، وأقبل الصفار بكتائب كالجبال . فقيل : كانوا سبعين ألف فارس ، وثقله على عشرة آلاف جمل ، فأناخ بواسط في سنة اثنتين [ ص: 544 ] وستين ، وانضمت العساكر المعتمدية ، ثم زحف الصفار إلى دير عاقول ، فجهز المعتمد للملتقى أخاه الموفق ، وموسى بن بغا ومسرورا ، فالتقى الجمعان في رجب واشتد القتال ، فكانت الهزيمة -أولا- على الموفق ، ثم صارت على الصفار ، وانهزم جيشه . فقيل : نهب منهم عشرة آلاف فرس ، ومن العين ألف ألف دينار ، ومن الأمتعة ما لا يحصى ، وخلص ابن طاهر من الأسر ، ورجع الصفار إلى فارس ، ورد المعتمد ابن طاهر إلى ولايته ، وأعطاه خمسمائة ألف درهم .
وأما الخبيث فاغتنم اشتغال الجيش ، فعمل كل قبيح من القتل والأسر .
وفيها ولي قضاء القضاة بسامراء علي بن محمد بن أبي الشوارب ، وكان أخوه الحسن قد توفي حاجا ، وولي قضاء بغداد إسماعيل القاضي .
وفيها واقع المسلمون الزنج وهزموهم ، وقتلوا قائدهم الصعلوك .
وفي سنة ثلاث أقبل الصفار ، فاستولى على الأهواز .
وفي سنة أربع سار الموفق وابن بغا لحرب الزنج ، فمات ابن بغا ، وغزا المسلمون الروم ، وغنموا . ثم بيتت الروم مقدم المسلمين ابن كاوس ، فأسروه جريحا . وغلبت الزنج على واسط ، ونهبوها وأحرقوها .
وغضب المعتمد على وزيره سليمان بن وهب ، وأخذ أمواله ، واستوزر الحسن بن مخلد ، وتمكن الموفق ، وبقي لا يلتفت على أحد ، [ ص: 545 ] وأظهر المنابذة ، وقصد سامراء فتأخر المعتمد أخوه ، ثم تراسلا ، ووقع الصلح وأطلق سليمان بن وهب ، وهرب الحسن بن مخلد وفي سنة 65 مات يعقوب بن الليث الصفار المتغلب على خراسان وفارس بالأهواز ، فقام بعده أخوه عمرو ، ودخل في الطاعة ، واستنابه الموفق على المشرق ، وبعث إليه بالخلع . وقيل : بلغت تركة الصفار ثلاثة آلاف ألف دينار . ودفن بجندسابور . وكتب على قبره : هذا قبر المسكين يعقوب . وكان في صباه يعمل في ضرب النحاس بدرهمين .
وفي سنة 66 أقبلت الروم إلى ديار ربيعة ، وقتلوا وسبوا ، وهرب أهل الجزيرة . وتمت وقعة مع خبيث الزنج ، وظهروا فيها ، وسار أحمد بن عبد الله الخجستاني ، فهزم ، وظفر به فقتله ، وحارب الحسن بن زيد العلوي عمرو بن الليث الصفار ، وظهر على عمرو ، ودخل نيسابور ، وقتل وصادر ، واستباحت الزنج رامهرمز .
وفي سنة سبع كروا على واسط ، وعثروا أهلها ، فجهز الموفق ولده أبا العباس الذي صار خليفة ، فقتل وأسر ، وغرق سفنهم . ثم تجمع جيش الخبيث ، والتقوا بالعباس فهزمهم ، ثم التقوا ثالثا فهزمهم ، ودام القتال شهرين ، ورغبوا في أبي العباس ، واستأمن إليه خلق منهم ، ثم حاربهم حتى دوخ فيهم ، ورد سالما غانما ، وبقي له وقع في النفوس ، وسار إليهم الموفق في جيش كثيف في الماء والبر ، ولقيه ولده ، والتقوا الزنج ، فهزموهم أيضا . وخارت قوى الخبيث ، وألح الموفق في حربهم ، ونازل طهثيا ، وكان عليها خمسة أسوار ، فأخذها ، واستخلص من أسر الخبثاء . [ ص: 546 ] عشرة آلاف مسلمة ، وهدمها . وكان المهلبي القائد مقيما بالأهواز في ثلاثين ألفا من الزنج ، فسار الموفق لحربه ، فانهزم ، وتفرق عسكره ، وطلب خلق منهم الأمان ، فأمنهم ، ورفق بهم ، وخلع عليهم ، ونزل الموفق بتستر ، وأنفق في الجيش ، ومهد البلاد ، وجهز ابنه المعتضد أبا العباس لحرب الخبيث ، فجهز له سفنا فاقتتلوا ، وانتصر أبو العباس ، وكتب كتابا إلى الخبيث يهدده ، ويدعوه إلى التوبة مما فعل ، فعتا وتمرد ، وقتل الرسول ، فسار الموفق إلى مدينة الخبيث بنهر أبي الخصيب ، ونصب السلالم ودخلوها ، وملكوا السور ، فانهزمت الزنج ، ولما رأى الموفق حصانتها اندهش ، واسمها المختارة ، وهاله كثرة المقاتلة بها ، لكن استأمن إليه عدة ، فأكرمهم .
ونقلت تفاصيل حروب الزنج في " تاريخ الإسلام " فمن ذلك لما كان في شعبان سنة سبع برز الخبيث وعسكره فيما قيل في ثلاثمائة ألف ما بين فارس وراجل ، فركب الموفق في خمسين ألفا ، وحجز بينهم النهر ، ونادى الموفق بالأمان ، فاستأمن إليه خلق ، ثم إن الموفق بنى بإزاء المختارة مدينة على دجلة سماها الموفقية ، وبنى بها الجامع والأسواق ، وسكنها الخلق ، واستأمن إليه في شهر خمسة آلاف . وتمت ملحمة في شوال ، ونصر الموفق .
وفي ذي الحجة عبر الموفق بجيشه إلى ناحية المختارة ، وهرب الخبيث ، لكنه رجع ، وأزال الموفق عنها . واستولى أحمد الخجستاني على خراسان وكرمان وسجستان ، وعزم على قصد العراق . [ ص: 547 ]
وفي سنة ثمان وستين تتابع أجناد الخبيث في الخروج إلى الموفق ، وهو يحسن إليهم . وأتاه جعفر السجان صاحب سر الخبيث ، فأعطاه ذهبا كثيرا ، فركب في سفينة حتى حاذى قصر الخبيث ، فصاح إلى متى تصبرون على الخبيث الكذاب ؟ وحدثهم بما اطلع عليه من كذبه وكفره ، فاستأمن خلق . ثم زحف الموفق على البلد ، وهد من السور أماكن ، ودخل العسكر من أقطارها ، واغتروا ، فكر عليهم الزنج ، فأصابوا منهم ، وغرق خلق . ورد الموفق إلى بلده حتى رم شعثه ، وقطع الجلب عن الخبيث ، حتى أكل أصحابه الكلاب والميتة ، وهرب خلق ، فسألهم الموفق ، فقالوا : لنا سنة لم نر الخبز ، وقتل بهبود أكبر أمراء الخبيث ، وقتل الخبيث ولده لكونه هم أن يخرج إلى الموفق ، وشد على أحمد الخجستاني غلمانه فقتلوه ، وغزا الناس مع خلف التركي ، فقتلوا من الروم بضعة عشر ألفا .
وفي سنة تسع دخل الموفق المختارة عنوة ، ونادى الأمان ، وقاتل حاشية الخبيث دونه أشد قتال ، وحاز الموفق خزائن الخبيث ، وألقى النار في جوانب المدينة ، وجرح الموفق بسهم ، فأصبح على الحرب ، وآلمه جرحه ، وخافوا ، فخرجوا حتى عوفي ، ورم الخبيث بلده .
وفي السنة خرج المعتمد من سامراء ليلحق بصاحب مصر أحمد بن طولون ، وكان بدمشق ، فبلغ ذلك الموفق ، فأغرى بأخيه إسحاق بن كنداج ، فلقي المعتمد بين الموصل والحديثة ، وقال : يا أمير المؤمنين ، ما هذا؟ فأخوك في وجه العدو وأنت تخرج من مقر عزك ! ومتى علم بهذا ترك مقاومة عدوك ، وتغلب الخارجي على ديار آبائك . وهذا كتاب أخيك [ ص: 548 ] يأمرني بردك . فقال : أنت غلامي أو غلامه ؟ قال : كلنا غلمانك ما أطعت الله ، وقد عصيت بخروجك وتسليطك عدوك على المسلمين . ثم قام ، ووكل به جماعة ، ثم إنه بعث إليه يطلب منه ابن خاقان وجماعة ليناظرهم ، فبعث بهم ، فقال لهم : ما جنى أحد على الإمام والإسلام جنايتكم . أخرجتموه من دار ملكه في عدة يسيرة ، وهذا هارون الشاري بإزائكم في جمع كثير ، فلو ظفر بالخليفة ، لكان عارا على الإسلام ، ثم رسم أيضا عليهم ، وأمر المعتمد بالرجوع ، فقال : فاحلف لي أنك تنحدر معي ولا تسلمني ، فحلف ، وانحدر إلى سامراء . فتلقاه كاتب الموفق صاعد ، فأنزله في دار أحمد بن الخصيب ، ومنعه من نزول دار الخلافة ، ووكل به خمسمائة نفس ، ومنع من أن يجتمع به أحد . وبعث الموفق إلى ابن كنداج بخلع وذهب عظيم .
قال الصولي : تحيل المعتمد من أخيه ، فكاتب . ومما قال : ابن طولون
أليس من العجائب أن مثلي يرى ما قل ممتنعا عليه وتؤكل باسمه الدنيا جميعا
وما من ذاك شيء في يديه؟
ولقب الموفق صاعد بن مخلد ذا الوزارتين ، ولقب ابن كنداج ذا السيفين . فلما علم جمع الأعيان ، وقال : قد نكث ابن طولون الموفق بأمير المؤمنين ، فاخلعوه من العهد فخلعوه سوى القاضي بكار بن قتيبة . فقال [ ص: 549 ] لابن طولون : أنت أريتني كتاب أمير المؤمنين بتوليته العهد ، فأرني كتابه بخلعه . قال : إنه محجور عليه ، قال : لا أدري . قال : أنت قد خرفت وحبسه ، وأخذ منه عطاءه على القضاء عشرة آلاف دينار ، وأمر الموفق بلعنة أحمد بن طولون على المنابر . وسار ، فحاصر ابن طولون المصيصة ، وبها خادم ، فسلط الخادم على جيش أحمد بثوق النهر ، فهلك منهم خلق ، وترحلوا ، وتخطفهم أهل المدينة ، ومرض أحمد ، ومات مغبونا .
وفي شوال كانت الملحمة الكبرى بين الخبيث والموفق . ثم وقعت الهزيمة على الزنج ، وكانوا في جوع شديد وبلاء ، لا خفف الله عنهم ، وخامر عدة من قواد الخبيث وخواصه ، وأدخل المعتمد في ذي القعدة إلى واسط ، ثم التقى الخبيث والموفق ، فانهزمت الزنج أيضا ، وأحاط الجيش ، فحصروا الخبيث في دار الإمارة ، فانملس منها إلى دار المهلبي أحد قواده ، وأسرت حرمه ، فكان النساء نحو مائة ، فأحسن إليهن الموفق ، وأحرقت الدار ، ثم جرت ملحمة بين الموفق والخبيث في أول سنة سبعين ، ثم وقعة أخرى قتل فيها الخبيث ، لا رحمه الله . وكان قد اجتمع من الجند ، ومن المطوعة مع الموفق نحو ثلاثمائة ألف . وفي آخر الأمر شد الخبيث وفرسانه ، فأزالوا الناس عن مواقفهم فحمل الموفق ، فهزمهم ، وساق وراءهم إلى آخر النهر ، فبينا الحرب تستعر إذ أتى فارس إلى الموفق وبيده رأس الخبيث ، فما صدق ، وعرضه على جماعة ، فقالوا : هو هو فترجل الموفق والأمراء ، وخروا ساجدين لله ، وضجوا بالتكبير ، وبادر أبو العباس بن الموفق في خواصه ، ومعه رأس الخبيث [ ص: 550 ] على قناة إلى بغداد ، وعملت قباب الزينة ، وكان يوما مشهودا ، وشرع الناس يتراجعون إلى المدائن التي أخذها الخبيث ، وكانت أيامه خمس عشرة سنة .
قال الصولي : قد قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة .
قلت : وكذا عدد قتلى بابك .
قال : وكان يصعد على منبره بمدينته ، ويسب عثمان وعليا وطلحة كمذهب وعائشة الأزارقة ، وكان ينادي على المسبية العلوية في عسكره بدرهمين . وكان عند الزنجي الواحد نحو عشر علويات ، يفترشهن ويخدمن امرأته . وفي شعبان أعادوا المعتمد إلى سامراء في أبهة تامة .
وظهر بالصعيد أحمد بن عبد الله الحسني ، فحاربه عسكر مصر غير مرة ، ثم أسر وقتل .
وفيها أول ظهور دعوة العبيدية ، وذلك باليمن .
وفيها نازلت الروم في مائة ألف طرسوس ، فبيتهم يازمان الخادم ، فقيل : قتل منهم سبعون ألفا ، وقتل ملكهم ، وأخذ منهم صليب الصلبوت .
فالحمد لله على هذا النصر العزيز الذي لم يسمع بمثله ، مع تمام المنة على الإسلام بمصرع الخبيث .
قالت أمه : أخذه أبوه مني ، وغاب سنين ، وتزوجت أنا ، وجاءني ولد ، ثم جاءني الغلام وقد مات أبوه باليمن ، فأقام عندي مدة لا يدع بالري [ ص: 551 ] أحدا عنده أدب أو حديث إلا خالطهم وعاشرهم .
وفي سنة 271 كانت الملحمة بين أبي العباس بن الموفق ، وبين صاحب مصر خمارويه بفلسطين ، وجرت السيول من الدماء ، ثم انهزم خمارويه ، وذهبت خزائنه . ونزل أبو العباس في مضربه . ولكن كان سعد الأعسر كمينا ، فخرج على أبي العباس بغتة ، فهزم جيشه ، ونجا هو في نفر يسير ، ونهب سعد وأصحابه ما لا يوصف .
وفي سنة 72 نزل أبو العباس بطرسوس ، وتراجع عسكره ، وآذوا أهل البلد ، فتناخوا وطردوهم ، واستولى هارون الشاري الخارجي وحمدان بن حمدون التغلبي على الموصل ، وقبض الموفق على ذي الوزارتين صاعد ، وأخذ أمواله ، واستكتب إسماعيل بن بلبل ، وهاجت بقايا الزنج بواسط ، وصاحوا : أنكلاي يا منصور ، وهو ولد الخبيث ، وكان في سجن بغداد هو والقواد : ابن جامع والمهلبي والشعراني ، فأخرجوا وصلبوا . وسار الموفق إلى كرمان لحرب عمرو بن الليث الصفار . وسار يازمان الخادم أمير الثغور ، فوغل في أرض الروم ، فقتل وسبى ، ورجع مؤيدا ، وأخذ عدة مراكب .
وفي سنة 76 وقع الرضى عن الصفار ، وكتب اسمه على الأعلام والأترسة . وتمت بين محمد بن أبي الساج وخمارويه وقعات ، ثم انكسر محمد . واتفق يازمان مع صاحب مصر ، وخطب له ، فبعث إليه خمارويه بخلع وذهب عظيم . واستولى رافع بن هرثمة على طبرستان . وعاد [ ص: 552 ] الموفق إلى بغداد مريضا من نقرس ، ثم صار داء الفيل ، وقاسى بلاء ، فكان يقول : في ديواني مائة ألف مرتزق ، ما أصبح فيهم أسوأ حالا مني . ثم مات .
وفي سنة 78 ظهور القرامطة بأعمال الكوفة . وحاصر يازمان الخادم حصنا للعدو ، فجاء حجر ، فقتله . وكان مهيبا ، مفرط الشجاعة .
وفي سنة 79 خلع المفوض بن المعتمد من ولاية العهد ، وقدم عليه أبو العباس المعتضد بن الموفق . نهض بذلك الأمراء .
وفيها منع أبو العباس القصاص والمنجمين ، وألزم الكتبيين أن لا يبيعوا كتب الفلسفة والجدل ، وضعف أمر عمه المعتمد معه ، ثم مات فجأة لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين . ببغداد . ونقل فدفن بسامراء . فكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أيام . وقيل : كان نحيفا ثم سمن ، وأسرع إليه الشيب .
مات بالقصر الحسني مع الندماء والمطربين ، أكل في ذلك اليوم رؤوس الجداء ، فيقال : سم ، ومات معه من أكل منها . وقيل : نام ، فغموه ببساط . وقيل : سم في كأس ، وأدخلوا إليه إسماعيل القاضي والشهود ، فلم يروا به أثرا . واستخلف أبو العباس المعتضد . وكانت عريب جارية المعتمد ذات أموال جزيلة ، ولها في المعتمد مدائح . وكان يسكر ويعربد على الندماء -سامحه الله . وكانت دولته بهمة أخيه الموفق لا بأس بها .
وللمعتمد من البنين : المفوض جعفر ، ومحمد ، وعبد العزيز ، [ ص: 553 ] وإسحاق ، وعبيد الله ، وعباس ، وإبراهيم ، وعيسى ، وعدة بنات . وكتب له سليمان بن وهب ، ثم عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، وغيرهما .