محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ( س )
ابن أعين بن ليث ، الإمام ، شيخ الإسلام ، أبو عبد الله ، المصري الفقيه .
ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة .
وسمع من : بعناية أبيه به ، ومن عبد الله بن وهب أبي ضمرة الليثي ، ، وابن أبي فديك ، وأيوب بن سويد ، وبشر بن بكر ، ووالده وأشهب بن عبد العزيز عبد الله بن عبد الحكم وشعيب بن الليث ، وأبي عبد الرحمن المقرئ ، ، والشافعي وإسحاق بن الفرات ، وحرملة بن عبد العزيز ، ويحيى بن سلام ، وسعيد بن بشير القرشي ، وعبد الله بن نافع الصائغ ، وحجاج بن رشدين ، وطائفة .
وعنه : في " سننه " ، النسائي وابن خزيمة ، وابن صاعد ، وعمرو بن عثمان المكي ، وأبو بكر بن زياد ، وأبو جعفر الطحاوي ، وعلي بن أحمد علان ، وإسماعيل بن داود بن وردان ، ، [ ص: 498 ] وعبد الرحمن بن أبي حاتم وأبو العباس الأصم ، وخلق كثير .
وكان عالم الديار المصرية في عصره مع المزني .
وثقه ، وقال مرة . لا بأس به . النسائي
وقال إمام الأئمة : ما رأيت في فقهاء الإسلام أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين من ابن خزيمة محمد بن عبد الله بن عبد الحكم .
وقال : كان أعلم من رأيت على أديم الأرض بمذهب مالك ، وأحفظهم له . سمعته يقول : كنت أتعجب ممن يقول في المسائل : لا أدري .
ثم قال : وأما الإسناد فلم يكن يحفظه ، وكان من أصحاب ابن خزيمة ، وكان ممن يتكلم فيه ، فوقعت بينه وبين البويطي وحشة في مرض الشافعي ، فحدثني الشافعي أبو جعفر السكري صديق الربيع ، قال لما مرض ، رحمه الله ، جاء الشافعي ابن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس ، فقال الشافعي البويطي : أنا أحق به منك . فجاء ، وكان الحميدي بمصر ، فقال : قال : ليس أحد أحق بمجلسي من الشافعي البويطي ، وليس أحد من أصحابي أعلم منه . فقال له ابن عبد الحكم : كذبت . فقال : كذبت أنت وأبوك وأمك ، وغضب الحميدي ابن عبد [ ص: 499 ] الحكم ، فترك مجلس . الشافعي
قال : فحدثني ابن عبد الحكم : قال : كان معي في الدار نحوا من سنة ، وأعطاني كتاب الحميدي ابن عيينة ، ثم أبوا إلا أن يوقعوا بيننا ما وقع .
هذه الحكاية . رواها عن حسينك ، عن الحاكم . ابن خزيمة
وعن أبي إبراهيم المزني قال : نظر إلى الشافعي محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وقد ركب دابته ، فأتبعه بصره ، وقال : وددت أن لي ولدا مثله ، وعلي ألف دينار لا أجد قضاءها .
قال أبو الشيخ : حدثنا عمرو بن عثمان المكي قال : رأيت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يصلي الضحى ، فكان كلما صلى ركعتين سجد سجدتين ، فسأله من يأنس به ، فقال : أسجد شكرا لله على ما أنعم به علي من صلاة الركعتين .
قال ابن أبي حاتم : ابن عبد الحكم ثقة صدوق ، أحد فقهاء مصر ، من أصحاب مالك .
قلت : قد تفقه بمالك ، ولزمه مدة ، وهو -أيضا- في عداد أصحابه الكبار . [ ص: 500 ]
أخبرني عمر بن عبد المنعم ، عن أبي اليمن الكندي ، أخبرنا علي بن عبد السلام ، أخبرنا ، قال : حمل الشيخ أبو إسحاق الشيرازي محمد في محنة القرآن إلى ابن أبي داود ، ولم يجب إلى ما طلب منه ، ورد إلى مصر ، وانتهت إليه الرئاسة بمصر ، يعني : في العلم . وذكر غيره أن ابن عبد الحكم ضرب ، فهرب واختفى .
وقد نالته محنة أخرى صعبة مرت في " تاريخنا " الكبير في ترجمة أخيه عبد الحكم الرجل الصالح ، قال أبو سعيد بن يونس : عذب عبد الحكم في السجن ، ودخن عليه ، فمات في سنة سبع وثلاثين ومائتين ، لكونه اتهم بودائع لعلي بن الجروي .
وقال ابن أبي دليم : لم يكن في الإخوة أفقه من عبد الحكم . وقيل : إن بني عبد الحكم ، غرموا في نوبة ابن الجروي أكثر من ألف ألف دينار . استصفيت أموالهم ، ونهبت منازلهم . ثم بعد مدة أطلقهم المتوكل ، ورد إليهم البعض ، وسجن القاضي الأصم الذي ظلمهم ، وحلقت لحيته ، وضرب ، وطيف به على حمار .
قال أبو سعيد بن يونس في " تاريخه " : كان محمد هو المفتي بمصر في أيامه .
قلت : له تصانيف كثيرة ، منها : كتاب في " الرد على " ، وكتاب " أحكام القرآن " ، وكتاب " الرد على فقهاء الشافعي العراق " ، وغير ذلك .
وما زال العلماء قديما وحديثا يرد بعضهم على بعض في البحث وفى التواليف ، وبمثل ذلك يتفقه العالم ، وتتبرهن له المشكلات . ولكن في زماننا قد يعاقب الفقيه إذا اعتنى بذلك لسوء نيته ، ولطلبه للظهور والتكثر ، [ ص: 501 ] فيقوم عليه قضاة وأضداد . نسأل الله حسن الخاتمة ، وإخلاص العمل .
وقد كان ابن عبد الحكم ، مع عظمته بمصر ، يركب حميرا ضعيفا ، ويتواضع في أموره ، وكان أبوه كما قلنا من كبار الفقهاء من تلامذة مالك .
قال ابن يونس : مات محمد في يوم الأربعاء نصف ذي القعدة سنة ثمان وستين ومائتين . وصلى عليه القاضي بكار بن قتيبة .
قلت : وله مصنف في " أدب القضاة " مفيد .
أخبرتنا خديجة بنت علي ، أخبرنا أحمد بن عبد الواحد ، أخبرنا عبد المنعم بن الفراوي ، أخبرنا عبد الغفار الشيروي ، أخبرنا أبو سعيد الصيرفي ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرنا أنس بن عياض ، عن ، عن أبيه ، عن هشام بن عروة : أبي هريرة . أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : عذبت امرأة في هرة أمسكتها حتى ماتت من الجوع ، فلم تكن تطعمها ، ولا ترسلها فتأكل من خشاش الأرض