[ ص: 316 ] ثم دخلت سنة ثنتين وثمانين
ففي المحرم منها كانت ابن الأشعث والحجاج في آخره ، وكان أول يوم وقعة الزاوية بين لأهل العراق على أهل الشام ، ثم تواقعوا يوما آخر ، فحمل سفيان بن الأبرد - أحد أمراء أهل الشام - على ميمنة ابن الأشعث فهزمها ، وقتل خلقا كثيرا من القراء من أصحاب ابن الأشعث في هذا اليوم ، وخر الحجاج لله ساجدا بعدما كان جثا على ركبتيه ، وسل شيئا من سيفه ، وجعل يترحم على مصعب بن الزبير ويقول : ما كان أكرمه حين صبر نفسه للقتل .
وكان من جملة من قتل من أصحاب ابن الأشعث : أبو الطفيل بن عامر بن واثلة الليثي . ولما فر أصحاب ابن الأشعث رجع ابن الأشعث بمن بقي معه ، ومن اتبعه من أهل البصرة ، فسار حتى دخل الكوفة ، فعمد أهل البصرة إلى عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فبايعوه ، فقاتل الحجاج خمس ليال أشد القتال ، ثم انصرف فلحق بابن الأشعث ، وتبعه طائفة من أهل البصرة ، فاستناب الحجاج على البصرة أيوب بن الحكم بن أبي عقيل ، [ ص: 317 ] ودخل ابن الأشعث الكوفة ، فبايعه أهلها على خلع الحجاج وتفاقم الأمر ، وكثر متابعو وعبد الملك بن مروان ، ابن الأشعث على ذلك ، واشتد الحال ، وتفرقت الكلمة جدا ، وعظم الخطب ، واتسع الخرق .
قال الواقدي : لما التقى جيش الحجاج وجيش ابن الأشعث بالزاوية ، جعل جيش الحجاج يحمل عليهم مرة بعد مرة ، فقال القراء - وكان عليهم جبلة بن زحر - : أيها الناس ، ليس الفرار من أحد بأقبح منه منكم ، فقاتلوا عن دينكم ودنياكم . وقال سعيد بن جبير نحو ذلك ، وقال الشعبي : قاتلوهم على جورهم ، واستذلالهم الضعفاء ، وإماتتهم الصلاة . ثم حملت القراء - وهم العلماء - على جيش الحجاج حملة صادقة ، فبدعوا فيهم ، ثم رجعوا فإذا هم بمقدمهم جبلة بن زحر صريعا ، فهدهم ذلك ، فناداهم جيش الحجاج : يا أعداء الله ، قد قتلنا طاغيتكم . ثم حمل سفيان بن الأبرد - وهو على خيل الحجاج - على ميسرة ابن الأشعث - وعليها الأبرد بن قرة التميمي - فانهزموا ، ولم يقاتلوا كثير قتال ، فأنكر الناس منهم ذلك ، وكان أمير ميسرة ابن الأشعث - الأبرد - شجاعا لا يفر ، وظنوا أنه قد خامر ، فنقضت الصفوف ، وركب الناس [ ص: 318 ] بعضهم بعضا ، وكان ابن الأشعث يحرض الناس على القتال ، فلما رأى ما الناس فيه أخذ من اتبعه وذهب إلى الكوفة ، فبايعه أهلها .