عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي ، أبو صفوان المكي
وكان أكبر ولد أبيه ، أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عن عمر وجماعة من الصحابة ، وحدث عنه خلق من التابعين ، وكان سيدا شريفا مطاعا حليما ، يحتمل الأذى ، لو سبه عبد أسود ، ما استنكف عنه ، ولم يقصده أحد في شيء فرده خائبا ، ولا سمع بمفازة إلا حفر جبا ، أو عمل فيها بركة ، ولا عقبة إلا سهلها .
وقيل : إن قدم على المهلب بن أبي صفرة ابن الزبير من العراق ، فأطال الخلوة معه ، فجاء ابن صفوان فقال : من هذا الذي شغلك منذ اليوم ؟ قال : هذا سيد العرب من أهل العراق . فقال : ينبغي أن يكون المهلب . فقال المهلب لابن الزبير : ومن هذا الذي يسأل عني يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذا سيد قريش بمكة . فقال : ينبغي أن يكون . وكان عبد الله بن صفوان ابن صفوان كريما جدا .
وقال الزبير بن بكار بسنده : إن معاوية قدم حاجا فتلقاه الناس ، فكان في جملة من تلقاه ، فجعل يساير عبد الله بن صفوان معاوية ، وجعل أهل [ ص: 221 ] الشام يقولون : من هذا الذي يساير أمير المؤمنين ؟ فلما انتهى إلى مكة إذا الجبل أبيض من الغنم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه غنم أجزرتكها ; تقسمها بين الجند . فإذا هي ألفا شاة ، فقالوا : ما رأينا أكرم من ابن عم أمير المؤمنين .
ثم كان ابن صفوان من جملة من صبر مع ابن الزبير حين حصره الحجاج ، فقال له ابن الزبير : إني قد أقلتك بيعتي ، فاذهب حيث شئت . فقال : إني إنما قاتلت عن ديني . ثم صبر نفسه ، حتى قتل وهو متعلق بأستار الكعبة في هذه السنة ، رحمه الله وأكرم مثواه .
عبد الله بن مطيع بن الأسود بن حارثة القرشي العدوي المدني
ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحنكه ، ودعا له بالبركة ، وروى عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يقتل قرشي بعد اليوم صبرا إلى يوم القيامة .
وعنه ابناه : إبراهيم ، و محمد ، ، والشعبي ، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله ومحمد بن أبي موسى .
قال الزبير بن بكار : كان ابن مطيع من كبار رجال قريش جلدا وشجاعة ، [ ص: 222 ] وأخبرني عمي مصعب أنه كان على قريش يوم الحرة ، وقتل مع ابن الزبير بمكة ، وهو الذي يقول :
أنا الذي فررت يوم الحرة والشيخ لا يفر إلا مرة لأجبرن كرة بفرة
صحابي جليل ، شهد عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفاني مؤتة مع خالد بن الوليد والأمراء قبله ، وشهد الفتح ، وكانت معه راية قومه يومئذ ، وشهد فتح الشام ، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث ، وروى عنه جماعة من التابعين ، ، وقد مات قبله ، وقال وأبو هريرة الواقدي ، ، وخليفة بن خياط وأبو عبيد ، وغير واحد : توفي سنة ثلاث وسبعين بالشام .
أسماء بنت أبي بكر الصديق
والدة عبد الله بن الزبير ، يقال لها : وإنما سميت بذلك عام الهجرة حين شقت نطاقها ، وربطت به سفرة [ ص: 223 ] النبي صلى الله عليه وسلم ذات النطاقين ، وأبي بكر حين خرجا إلى غار ثور للهجرة . وأمها قيلة ، وقيل : قتيلة بنت عبد العزى من بني عامر بن لؤي .
أسلمت أسماء قديما ، وهم بمكة في أول الإسلام ، وهاجرت هي وزوجها الزبير ، وهي حامل متم بولدها عبد الله ، فوضعته بقباء ، أول مقدمهم المدينة ، ثم ولدت للزبير بعد ذلك عروة ، و المنذر ، ثم لما كبرت طلقها الزبير ، وقيل : بل قال له عبد الله ابنه : إن مثلي لا توطأ أمه . فطلقها الزبير ، وقيل : بل اختصمت هي والزبير ، فجاء عبد الله ليصلح بينهما ، فقال الزبير : إن دخلت فهي طالق . فدخلت فبانت ، فالله أعلم .
[ ص: 224 ] وقد عمرت أسماء دهرا صالحا وأضرت في آخر عمرها ، وقيل : بل كانت صحيحة البصر ، لم يسقط لها سن ، وأدركت قتل ولدها في هذه السنة كما ذكرنا ، ثم ماتت بعده بخمسة أيام . وقيل : بعشرة . وقيل : بعشرين . وقيل : ببضعة وعشرين يوما . وقيل : عاشت بعده مائة يوم . وهو الأشهر ، وبلغت من العمر مائة سنة ، ولم يسقط لها سن ، ولم ينكر لها عقل ، رحمها الله ورضي عنها ، وقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث طيبة مباركة ، رضي الله عنها ورحمها .
قال ابن جرير : وفي هذه السنة - يعني سنة ثلاث وسبعين - عزل عبد الملك خالد بن عبد الله عن البصرة ، وأضافها إلى أخيه بشر بن مروان مع الكوفة ، فارتحل إليها بشر ، واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث .
وفيها محمد بن مروان الصائفة ، فهزم غزا الروم .
وقيل : إنه كان في هذه السنة عثمان بن الوليد بالروم ، من ناحية وقعة أرمينية ، وهو في أربعة آلاف ، والروم في ستين ألفا ، فهزمهم ، وأكثر القتل فيهم .
وأقام للناس الحج في هذه السنة أيضا ، وهو على [ ص: 225 ] الحجاج بن يوسف الثقفي مكة واليمن واليمامة ، وعلى الكوفة والبصرة بشر بن مروان ، في قول الواقدي ، وفي قول غيره : على الكوفة بشر بن مروان ، وعلى البصرة ، وعلى قضاء خالد بن عبد الله الكوفة شريح بن الحارث . وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة . وعلى إمرة خراسان بكير بن وشاح ، يعني الذي كان نائبا لعبد الله بن خازم ، والله أعلم .
وممن توفي فيها غير من تقدم ذكره مع ابن الزبير :
عبد الله بن سعد بن خيثمة الأنصاري
له صحبة ، وشهد اليرموك ، وكان كثير العبادة والغزو .
عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي
أبو محمد ، له صحبة ورواية ، توفي بالمدينة .
مالك بن مسمع بن غسان البصري
كان شديد الاجتهاد في العبادة والزهادة .
ثابت بن الضحاك الأنصاري
له صحبة ورواية ، توفي بالمدينة ، يقال [ ص: 226 ] له : أبو زيد الأشهلي ، وهو من أهل البيعة تحت الشجرة ، قال : أخبرني يحيى بن أبي كثير أبو قلابة ، أن ثابت بن الضحاك أخبره أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله .
زينب بنت أبي سلمة المخزومية
ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولدتها أمها بالحبشة ، ولها رواية وصحبة .
توبة بن الحمير
وهو الذي يقال له : مجنون ليلى . كان توبة يشن الغارات على بني الحارث بن كعب ، فرأى ليلى ، فهواها وتهتك بها ، وهام بها محبة وعشقا ، وقال فيها الأشعار الكثيرة القوية الرائقة ، التي لم يسبق إليها ، ولم يلحق فيها ; لكثرة ما فيها من المعاني والحكم ، وقد قيل له مرة : هل كان بينك وبين ليلى ريبة قط ؟ فقال : برئت من شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن كنت قط حللت سراويلي على محرم .
وقد دخلت ليلى على تشكو ظلامة ، فقال لها : ماذا رأى منك عبد الملك بن مروان توبة حتى عشقك هذا العشق كله ؟ فقالت : والله يا أمير المؤمنين ، لم يكن بيني وبينه قط ريبة ، ولا خنا ، وإنما العرب تعشق وتعف ، [ ص: 227 ] وتقول الأشعار في من تهوى وتحب ، مع العفة والصيانة لأنفسها عن الدناءات . فأزال ظلامتها وأجازها . توفي توبة في هذه السنة ، وقيل : إن ليلى جاءت إلى قبره فبكت عليه حتى ماتت ، والله أعلم .